في إحدى المشاهد البديعة لمسلسل "التغريبة الفلسطينية" الملحميّ الذي أشكّ في أنّ الزمان سيجود بمثل صدقه وعبقرية تصويره، يحمل القايد أبو صالح إطار الصورة التي جمعته مع رفقاء الكفاح أيام النكبة سنة 1948، يحمله بقلبه قبل يديه، ويقصّ باستفاضة وإقبال وحسرة شديدة لابنه الأصغر، محمود، ذكريات الثورة، ومعاني الوفاء، ومعاناته وهو يرى إخوانه يغادرون واحدًا تلو الآخر. وكان ذلك الطفل قد حفظ الدرس جيّدًا، واستقرّ في مكامن نفسه إلى حدّ جعله يستكمل جمل أبيه بسرعة قبل أن ينهيها هو، كأنّما يريد تبشيره بأنّ هذه القصص المتكررة المروية لتحفظ في الذاكرة قد آتت أكلها.
وفي مشهد آخر موازٍ، يزور أحد شباب الداخل القايد أبو صالح في دكانه، ويحكي له عن أحوال عرب الـ 1948 هناك، وعن آمالهم وحبهم للأرض، وتمسكهم بها. وعندما يقول له أبو صالح مستغربًا كيف أنّ القضية لم تغيّب في ذهنه: "هاذ وأنت شب صغير، يعني شبّيت تحت حكم إسرائيل؟"، يبيّن له الشاب الأثر العميق لحكايا الأهل، فيجيب: "حليب الأم يا عميّ، هو في ولد بنولد إلا ويسمع من أبوه وعمه وسيده وسته. الكلمة اللي نسمعها من الختيرية بقت تكبر جوانا زي الشجرة وتجرش؛ هاي الشجرة زرعها سيدك، وهاي الأرض بقت وعرة وأخوالك صلحوها، وهذا الجبل، وهذا الواد. كل مطرح إله قصة، والأولاد بيكبروا على هاي القصص يا عمي".
ولأن هذه القصص حفظٌ للذاكرة، وتأريخٌ للتراث، وامتداد لإصرار أصحاب حقّ على انتزاع حقهم من مغتصب سافل، ولأنّها تُغرس كالبذرة في نفوس الأطفال، ثمّ تكبر خضرة مثمرة ينعة، وارفة الظلال، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فقد وجبت روايتها وتثبيتها في أذهانهم خاصةً في وقت تضاربت فيه المصالح، وحادت الأبصار عن القضية، واتجهت نحو الطمس والتطبيع، والتشويه. ولهذا الغرض، تعرض عليكم بنفسج جملةً من الاقتراحات لقصص مصورة ونشاطات تفاعلية، تساهم في أن يكبر حب القضية داخل أطفالنا يومًا بعد يوم.
| القصص المصورة: أنا هنا، وبلدي، وجدي شجرة زيتون وحكايا أخرى

بدأت الكثير من الجهود تتجه نحو دعم المحتوى المنتج عن فلسطين لفئة الأطفال بسبب قِلته، وضعف فعاليته، وتركّزت هذه الجهود على القصص وتصويرها وصياغة كلماتها بطريقة مختصرة مفيدة، توصل المغزى إلى الطفل وتؤدّي مرادها، ومعظم القصص المقترحة أدناه بإمكانكم طلبها من موقع نيل وفرات أو من الموقع الرسميّ لدار النشر.
| قصة أنا هنا:
"أنا هنا في مدينة القدس، والقدس عاصمة فلسطين، مدينةُ كل الأديان، مدينةٌ عريقة"، بهذه الكلمات تستفتح ناهد الشوا قصتها المصورة الصادرة عن دار النشر نون – Noon books، والحديث عن الطفل كرم الذي يطرح إشكالية الهوية الخاصة بالفلسطينيّ، ويعبر عن الانتماء على كل الأصعدة، في الغرفة، والبيت والحيّ، والكوكب، والمجرة، وهذا العالم، وهذه الدنيا، ثمّ يجعل للانتماء معنًى إذا كان مصدره هذه الأرض الطيبة: بفلسطين. ويحاول أن يجمع أطفال العالم في دائرة واحدة، ليؤكّد على أنّ كلّ الأطفال متشابهون، في مشارق الأرض ومغاربها، فبأيّ حقِّ يسلب الطفل الفلسطينيّ من أرضه، وبيته وعشه الدافئ؟

| قصة من بلدٍ اسمه فلسطين:
قصة بسيطةٌ، تفاعلية، مصوّرة بعناية، كتبتها القاصّة ريمة العلمي ومنى أبو دية، وصدّرتها مصمّمة الغلاف بإكليل من ليمون ورمان وزيتون، وبحر فلسطين، وثمر فلسطين، وفحواها حديثٌ ثريّ ماتع عن موقع فلسطين، وتراثها، وتاريخها، وأهلها. والجميل في كل هذا أنّ ربح هذا الكاتب يذهب بالكامل إلى منظمات خاصة تعنى بالأطفال الفلسطينيين. تقول الكلمات فيها: "جدّي وجدتي، من بلدٍ اسمه فلسطين. أين تقع؟ على يسار نهر الأردن وليست على اليمين... وتطلّ على بحرين"، وتتبعها الأهازيج الجميلة مردّدة: "ادبك يا ابني وعلّ الكوفية، وغنّي لعيونها أحلى غنيّة".

| قصة البيت:
هذه القصة متوفرة للطباعة من هنا. اضغط هنا. وهي موجهة للأطفال الصغار من سنتين إلى أربع سنوات، وتقوم فكرتها على أنّ كل الحيوانات في هذا العالم تمتلك بيتًا، فالعصفور له بيت اسمه العش، والسمكة لها بيت وهو النهر، والإنسان له بيت، أمّا الفلسطينيّ فبيته مغتصبٌ من قبل العدوّ، ولن يتمكّن من استعادته إلا بالنضال والتضحية. النص بديع من كتابة زكريا تامر، ورسم محيي الدين اللباد، وهي صادرة عن دار الفتى العربيّ.
| قصة حيفا: الأمل الكبير

تندرج هذه القصة ضمن مبادرة دار نشر "أمل وعمل" لتعريف الأطفال واليافعين بالمدن الفلسطينية، وهي من تأليف سمية خوجة ورسم جنان نصّار، تأخذنا فيه المبدعتان إلى عالم عائلة تسكن في وادي النسناس بمدينة حيفا، في بيتٍ جميل مزين بالطرز الفلسطينيّ، والفطور التقليديّ، والجمعات العائلية الدافئة التي تتزين نسوتها فيها بالثوب التقليديّ، وتعرفاننا بالكثير ممّا يجهله الأطفال عن حيفا، موقعها، وأشهر معالمها، وأحوالها قبل الاحتلال وبعده، والبطل فيها طفل ذكيّ فطن يدعى حسن، يعمل بجدّ مع أخته لجمع تبرعات من أجل بناء مدرسة عربية في قلب حيفا.
| قصة جدي أنت شجرة زيتون:

اقرأ أيضًا: أكثر من مجرد حكاية ما قبل النوم
تتداخل في هذه القصة حياة البشر مع حياة الشجر، وتوضّح فيها الكاتبة بذكاء مواطن التشابه بين العالمين؛ بين تقاسيم وجه الجدّ العريقة التي تحاكي أرضًا تنتظر الحرث، وغرس أشجار الزيتون، وبين الطفلة التي تحولت إلى شتلة زيتون، تنتظر أن تكبر بفضل العناية والرعاية، والحفاظ على خيرات الأرض، ومعالم الوطن، وتنتقل بأسلوب خياليّ شديد الجمال بين العالمين.
| البطاقات المطبوعة: فلسطين واحدة من البحر إلى النهر
لماذا لا يتعلم الطفل نطق أول الكلمات التي تصف أرضه ووطنه؟ من هذا المنطلق، أنجز الرسام المبدع محيي الدين اللباد عام 1986 ألفبائية فلسطين أدناه، مرفقًا حروف الأبجدية العربية بمفرداتٍ من عمق التراب والهوية الفلسطينية، فعوض أن يتعلم الطفل ترديد الحروف قائلًا: ألف أرنب، باء بطة، تاء تمساح... تجده يقول: ألف أخضر، باء برتقال، تاء تين، ثاء ثوب، جيم جذور، حاء حطة، خاء خبز... إلى أن يختمها بالوطن، واليقطين، مع رسومات بديعة تعبّر عن كلّ مفردة.

ومن البطاقات التي يجب طباعتها كذلك، خريطة فلسطين الحقيقية الكاملة التي تجمع مدن هذه الأرض وترابها وقراها من النهر إلى البحر رغمًا عن أنف المستوطن، والمحتلّ والمغتصب، وحتى يتعلم الأسماء الحقيقية للمدن التي طالها التهويد والتحويل إلى العبرية، فنقول يافا ولا نقول يفو، واسمها صفد وليست سفاد، وهي القدس وليست أورشليم.
| الأهازيج
الأهازيج قصص من نوع آخر، تحمل بين طيات لحنها الأمل والألم وكلّ التراث وكلّ الوطن. وهي اقتراح رائع خلال حفلات الأطفال والمناسبات المتعلقة بهم، وعند الجولة الروتينية في السيارة، أو أثناء اللعب معهم؛ إذ تساهم في إيصال الفكرة بطريقة غير مباشرة وبأسلوب مرح وممتع. ألا ترين كيف سيترسخ حب الأقصى في نفس طفلك، وهو يسمع قول القائل: "زينوا الأقصى، والأقصى لينا، وبأرض الأقصى إحنا صلينا".
وكيف سيتعلم إكرام الآخرين واحترامهم حينما ينادي منادٍ: "قبيت السفرة لمين؟ لجموع المصلين "، وكيف سيتعلق أكثر بماضي أجداده الفلاحين وبأرضه، حينما يقول: "عمي يا فلاح يسعد هالصباح، محراثك فالايد، عزماتك حديد". وكيف لن تغيب بلاده عن ذهنه أمام كلماتٍ تصدح بالوطن، فتقول: "يا بلادي يا عيني، يا فلسطين الأبية، يا هلا بالحبايب مجتمعين وإن شا الله العيد الجاي بفلسطين".
| رموز الأمة
هنا يأتي دورك كأمّ تودّ أن تنشئ طفلًا مقدسيًّا، عبر ثوابت عقدية لا ميل فيها ولا انحراف، وقصص عن العظماء الذين ارتبطوا بفلسطين عبر الزمن. والمطلوب منكِ أن تحدثيهم بنفسك عن رموز الأمة بأسلوب مبسط ماتع؛ أخبريهم عن عمر بن الخطاب وحفّظيهم عهدته العمرية، اجعلي فطور الصباح يبدأ بـ: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان... قُصّي عليهم مناقب صلاح الدين الأيوبيّ وشجاعته في هزم الصليبيين، وحدّثيهم عن شخصية عزّ الدين القسّام، وأحمد ياسين، اربطيهم بالقدوة بشكل عمليّ يشقّ لهم الطريق أمام مسيرة الكفاح والثبات.
إنّ القصص والحكايات التي تؤرّخ لتاريخِ الوطن، وتثبّت روح القضية في أذهان الأطفال هي في حدّ ذاتها مقاومة، وكلّ ضجيج مقاومة، وكلّ ردّ فل هو نكاية في المستعمر ووقوف في وجهه؛ فهلّا رويتِ أبناءك قصصًا عن فلسطين؟