على مسرح كبير جدًا، يقف طفل صغير، يطالع الوجوه، قلبه يخفق بسرعة، يخشى أن يستلم شهادته قبل أن يتأكد من أن أبويه بين الشهود، الحزن والقلق باد على وجهه، وعيونه تتفحص الجموع، كادت أن تُعمها الإضاءة القوية، حتى بدأ يطالع بنظرات خاطفة هنا وهناك بنصف عين. في اللحظة الأخيرة، وقبل استلام الشهادة، رآهما، بدت السعادة على محياه، ونبض قلبه بارتياح وانتشاء، لم يكن أحد من الجموع سيعني له، لم تكن شهادته التي سهر وتعب ليحصل عليها ستفرحه، إن لم يشهد على ذلك من يهتم لهم، ويعنون له كل دنياه. كلنا ذلك الطفل الصغير في اختلاف مراحل حياتنا، كلنا ننتظر أن يشاركنا من نحب ومن يعني لنا الكثير عندما نحقق أي إنجاز بسيط في الحياة، حتى لو كان الإنجاز بسيطًا خجِلًا لا يكاد يذكر!
كم أحب عمه أبو طالب الذي سانده، وبكى موته على الكفر، كم أحب حمزة وبكى فقده يوم أحد، وكم وكم... نحن نحب كل من يدعمنا ويقف معنا، ولكن دعم الأقارب لا يشابهه شيء.
ولكن، في المقابل، نجد البعض يعاني ويردد تلك العبارة بعميق حزن: "أبخس الناس في العالم أهلي وجيراني"، تجده قد عانى من غيابهم في هذه المراحل التي عنت له، أو قد يزيد الأمر عن ذلك بنهيهم له عن ما يصنع، إحباطه، أو انتقاده، أو حتى نصحه بالترك لهذا الذي يراه الجميع إبداعًا، وشيئًا عظيمًا مميزًا، قد يرى الدعم والمدح من الغريب وهو مثل ذلك الطفل الصغير على المسرح لا يرى ولا يسمع تصفيق المئات الحاضرين، إنه يسمع ويرى يد أحبابه ووجوههم التي تفخر به.
ما أشبه ذلك بحزن نبينا، صلى الله عليه وسلم، على خذلان بعض أقاربه له، أو إخراجهم له من مكة، كم بقي في قلبه الحزن رغم دعم أهل يثرب له، وحبهم له الذي فاق الوصف، وتغنت به كتب التاريخ أجمع. كم أحب عمه أبا
طالب الذي سانده، وبكى موته على الكفر، كم أحب حمزة وبكى فقده يوم أحد، وكم وكم... نحن نحب كل من يدعمنا ويقف معنا، ولكن دعم الأقارب لا يشابهه شيء.
كم مرة أمسكني قريب وقال لي كفي عن النشر عن زوجك، لا فائدة مما تقومين به، إنك تميتين قلبك ولا أحد يهتم لشأن الأسرى وعائلاتهم، كل يعيش حياته. لن يطالك من الناس إلا الحسد، الحسد على ماذا؟ الحسد من وجهة نظرهم على الأمل الذي أتمسك به! غدًا ستطالك الاعتقالات مما تقومين به، انتهي عن هذا الجنون. يكفيك ما نشرتي حتى الآن، قد أحزنت قلوبنا لم نعد نحتمل أن نتابع ما تقومين به! أو تبرعوا لي بمعلومة مع ابتسامة كل ما رأيت لك منشورًا جديدًا أضع لك إعجابًا ولا أشاهده، فأنا فعليًا أعرف القصة.
من قال إنني سأسعد لذلك، ومن قال إنني أنتظر هذا الإعجاب الذي يحسب على باب المجاملة، ومن قال إنك تعلم القصة، فهناك الكثير داخل بيوت المبتلين لا يعلم به أحد إلا الله، الكثير من التفاصيل الصغيرة التي تفتك بهم بصمت، ويجاهدون أنفسهم في اليوم ألف مرة ليستمروا على الأمل.
لم يكن ليخطر ببال الكثير، أننا أحيانًا ننشر ونتكلم، ونتخبط هنا وهناك لأجل أن نحول حزننا لطاقة، لنفرغ شعور الفقد، لنشارك بعض وجعنا ليهون علينا، لا يعلمون كم المرات التي كتبنا فيها منشورًا ونحن نبكي، ننتظر الردود الداعمة، فتتحول الدمعة لابتسامة ونمسح أخر قطرة دمع كتبت لنا في تلك الليلة، لم يكونوا ليعلموا كم كان يخفق قلبنا لتعليق القريب أكثر ألف مرة ممن عرفناهم في العالم الافتراضي!
شعور بالغربة قد أصابني في كل مرة عرفت أن بعض من أهتم لأمرهم، لا يهتمون لأمري كثيرًا، ليسوا معي في الطريق ليصفقوا لي، ويشاهدوا نجاحاتي، عمتني الأضواء وأنا أبحث عن وجوههم بين الجموع فلم أجدها، واستمر قلبي يخفق سريعًا، على أمل أن يصلوا في الوقت المناسب ليشهدوا على تكريمي هذا أو ذاك، لازلت ذلك الطفل الصغير على المسرح، ولكن الأضواء قد انطفأت وغادر الجميع الحفل، وأنا أمسك إنجازي بين يدي على أمل.
لا أقول إن الجميع لم يحضر، كان للبعض دعمًا وسندًا لي كأبي طالب وحمزة لحبيبي المصطفى، صلى الله عليه وسلم، أولئك الذين دافعوا عن هدفي معي وشجعوني في دربي، أولئك الذين لا ينساهم القلب، ولا يمكن له أن لا يكون لهم شاكرًا. وأنا أكتب هذه الكلمات فكرت مليًا لماذا أكتبها، لماذا الآن؟
اقرأ أيضًا: للبنيان.. كلمات تبني.. ترمم.. تهدم.. فأيهم أنت؟
ربما لأنني قد تخطيت هذا الألم، ووصلت إلى مرحلة التقبل، بأن الحياة هي الحياة، وما حصل لخير البشر من قبلي، صلى الله عليه وسلم، كيف لا يحصل معي، وأن تصرفه تجاه الأمر كان تصرف الحليم الذي يرد على الخذلان بحكمة، ولا يلتفت حتى إذا وصل الغاية، سامح وعفا وقال اذهبوا فأنتم الطلقاء، لم يعاتب ولم يلم، استمر في السعي، حتى فرض نفسه ودعوته على الجميع، ورأى في العيون إقرارًا بأن يا ليتنا كنا معك من البداية فنفوز فوزًا عظيمًا.
يا ليتنا كنا معك خطوة بخطوة فننال شرف الرفعة والمكانة، ربما رأيت بأنه من أنا لأبقى على ضيقٍ كطفل صغير على مسرح، صحيح أننا مهما كبرنا نبقى في الأصل أطفالًا، إلا أننا يجب أن نجبر أنفسنا على النضج، وأن نفتح بأيدينا سواء، لمن دعمنا ومن خذلنا، لا نفرق بينهم في العطاء، ولا نبخل على أحد منهم عندما يلجأ لنا. وكتبت هذه الكلمات لأنني أعلم أيضًا أنها كلمات غير معلنة عند الكثير مثلي، مهما اختلفت أهدافنا وغاياتنا وطموحاتنا، فإن مع كل بداية ستجد الداعم والمتخاذل والناقد والحاسد، وأعلم أنه لن يرى ما ترى إلا أنت.
فإن كان هدفك صحيحًا، لا يخالف عقيدة ولا يغضب ربك، فلا تسمح لأحد أن يثنيك، وردد "لا أبرح حتى أبلغ". وعندما يتهافت عليك الجميع في نهاية الطريق، ابسط يدك لمن دعم ومن لم يدعم لا تفرق بين أحد منهم، فإنك بدأت دربًا مباركًا سار عليه الأنبياء والصالحين من قبلك فأتممه كما أتموه، وترفع عن مشاعر قلب طفلك الصغير الذي كان سيغضب أو ينفعل نهاية الحفل الذي لم يحضره أحد!