بنفسج

كيف يحيا فينا الشهيد؟ في ضيافة عائلة الشهيد رائد مسك

الأحد 04 سبتمبر

شيعيني للخلود وافرحي فأنا الشهيد، ودعيني فالردى في سبيل الله عيد، يا فؤادي في الغرام، يا أحاسيس الهيام، اصبري في غربتي واستبشري بدمي السلام. يا حبيبة ها أنا رحت أبحث عن هناء، أبتغي قصرًا لنا في جنان لا تغيب. هل كان يقصد الشهيد رائد مسك الذي كان يشاطر زوجته المحبة والمودة والإخلاص هذه الكلمات حينما قال لزوجته أريج: "ادع أن أنال الشهادة"، وهي بقلبها الذي يغمره حبه، تحاشت تلك الدعوة، لأنها كانت تخشى فراقه لها ولأبنائهم.

| لقاء مع الشهيد رائد مسك

 
سألنا أريج كيف تعرفت على الشهيد رائد مسك؟ لتسرح أريج في ذاكرتها، وقد تلألأت عينيها للحظة، حب وشوق وحزن وفخر قبل أن تحكي وتقول: "كان رائد طالبًا مميزًا ونشيطًا في الجامعة، خلوقًا ومتفوقًا، يحكي للطلاب عن الإعجاز القرآني واللغة العربية. كان أستاذًا لنا وإن كان طالبًا مثلنا. ولم يكن أحد قادرًا على مجاراته والإجابة على أسئلته مثلي، فكل متفوق في مجاله. كان أستاذًا لي في الجامعة مرة، ومعلمًا وشريكًا وصديقًا في الحياة كل يوم حتى بعد رحيله".
"ذا صمته في سره كالسنبلات المثقلة"، هكذا كان الشهيد رائد مسك، ظنت زوجته أنها تعرف كل شيء عنه، ولكن في الحقيقة لم تكن تعلم عنه شيئًا.

أروقة الجامعة تحمل في طياتها ذكريات يكونها المرء مع أصدقائه بين الفرح والحزن النجاح والفشل أحيانًا، ولكنها لا تُنسى، وما أن تسأل أحدهم يقول "أجمل الأيام". هذه الأروقة كانت غير عادية للبعض، إذ شكلت حياتهم ورسمت ملامحها بصورة أبدية، صورة تحمل في طياتها حبًا وشوقًا وعهدًا لا يتبدد ولا ينقض.

هناك في جامعة الخليل كانت أريج طالبة في كلية اللغة العربية، متميزة ومتفوقة. في الطرف الآخر كان هناك طالب متفوق في كلية الشريعة متميز، حتى أنه عُيّن مساعد تدريس وهو طالب لإعطاء مساقات جامعية، لتلقي هناك أريج برائد مسك، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف.

سألنا أريج كيف تعرفت على الشهيد رائد مسك؟ لتسرح أريج في ذاكرتها، وقد تلألأت عينيها للحظة، حب وشوق وحزن وفخر قبل أن تحكي وتقول: "كان رائد طالبًا مميزًا ونشيطًا في الجامعة، خلوقًا ومتفوقًا، يحكي للطلاب عن الإعجاز القرآني واللغة العربية. كان أستاذًا لنا وإن كان طالبًا مثلنا. ولم يكن أحد قادرًا على مجاراته والإجابة على أسئلته مثلي، فكل متفوق في مجاله. كان أستاذًا لي في الجامعة مرة، ومعلمًا وشريكًا وصديقًا في الحياة كل يوم حتى بعد رحيله".

"قال لي رائد يوم زواجنا فلنقطع عهدًا أن لا تخفي عني شيئًا، ولا أخفي عنك شيئًا، وبالفعل، لم أخف عنه شيئًا، وهو بحسب ظني كان بالمثل، ولكني اكتشفت بعدها أنني لا أعرفه عنه إلا القليل القليل".

"ذا صمته في سره كالسنبلات المثقلة"، هكذا كان الشهيد رائد مسك، ظنت زوجته أنها تعرف كل شيء عنه، ولكن في الحقيقة لم تكن تعلم عنه شيئًا. تقول أريج في هذا الصدد وقد سبقتها ضحكتها: "قال لي رائد يوم زواجنا فلنقطع عهدًا أن لا تخفي عني شيئًا، ولا أخفي عنك شيئًا، وبالفعل، لم أخف عنه شيئًا، وهو بحسب ظني كان بالمثل، ولكني اكتشفت بعدها أنني لا أعرفه عنه إلا القليل القليل".

فقد سلك طريق العمل الجهادي حتى الشهادة ولم تشك زوجته حتى واحد بالمئة أنه يعمل في هذا الطريق، ولم يتعرض لأي اعتقال. كانا يذهبان سويًا إلى عملهما صباحًا، ويأتي على الموعد ليأخذها من دوامها ويعودان للبيت سويًا. يذهب إلى المسجد، فقد كان إمامًا ومترددًا لا يقطع فرضًا فيه، ويخرج لزيارة الأقارب والأصدقاء وصحبة أهله للتنزه، إضافة إلى كونه طالب ماجستير في جامعة النجاح الوطنية في نابلس يلتزم بحضور محاضراته ويواظب عليها، تقول أريج: "حتى هذه اللحظة، وقد مر على استشهاده 19 عامًا،لا أعلم متى وكيف كان يجد الوقت ليكون استشهاديًا هز أركان الاحتلال بصورة تحتاج للتدريب والعمل الطويلين".

| " ادعيلي بالشهادة"

received_491047609134155.jpeg
ابنة الشهيد رائد مسك سما أثناء نجاحها في الثانوية العامة

تضيف السيدة أريج في وصف زوجها، وهي تحاول أن تخفي دموعها وتبلع غصة الشوق بين الجملة والأخرى: "كان زوجًا استثنائيًا، لا أظن أن له مثيلًا، كان حنونًا وكريمًا إلى أبعد الحدود. كان يعاونني في البيت، ودائمًا يرتب لنا الفسح كل فترة، وكان يحب أن نخلّد ذكرياتنا بشكل مستمر، فنذهب إلى المصور ونلتقط الصور، وأظن أني أعلم الآن لماذا كان يشدد على موضوع الصور، حتى أنه وقبل استشهاده بثلاثة أيام، جاء واصطحبني مبكرًا من المدرسة، وأصرّ أن نذهب بمعية الأطفال للمصور. رفضت يومها لأني لم أكن والأطفال مستعدين لأخذ الصور، فالصور قديمًا كانت لها هيبة، نرتب ونجهز أنفسنا إذا ما قررنا أن نلتقطها، ولكنه أصرّ عليّ حتى أقنعني. التقطنا تلك الصورة التي كانت الأخيرة التي تجمعنا، باستثناء ابني محمد الذي كان ما زال جنينا في رحمي".

وبالحديث عن تلك الفترة تستذكر السيدة أريج موقفًا آخر لا تنساه لزوجها وكأنه حدث اللحظة: "في أحد المواقف، حملي كان مهددًا بالنزول، فأمرني الطبيب أن ألازم السرير. فقرر الشهيد أن يتحمل هو أعمال المنزل حتى يستقر حملي، عدنا من الطبيب وكنت في سريري بأمر من الطبيب، الذي شدد على الالتزام به شهيدنا الحي . مر الوقت وزوجي يحاول إنجاز المهمات المنزلية التي أخذها على عاتقه. وبعد فترة، سمعت صوت إقامة صلاة المغرب وأنا أعلم أن رائد، رحمه الله، لا يمكن أن يقطع فرضًا في المسجد، عدا عن كونه إمامًا وخطيبًاـ ولكن كان هناك صوت جلبة في المطبخ، ذهبت ووجدته يغسل الصحون، فقلت له لقد قامت الصلاة ألن تذهب إلى المسجد؟ قال سأذهب وأكمل غسل الصحون عند عودتي، فقلت له: لا بأس أنا أكمل، فغضب وقال لن تغسلي الصحون ولو اضطرت أن أعيد غسلها لخمسين مرة".


اقرأ أيضًا: السيدة حسنية أبو عون: خليفة الغازي على الأهل والبنون


لم يكن إغضاب الشهيد سهلًا، ولكن أريج كانت دائمًا تضغط على الوتر الحساس للشهيد مسك دون قصد منها، بل لحبها وتعلقها به، فكان يدعو دائمًا بنيل الشهادة، ويطلب من زوجته أن تدعو له ذات الدعاء، فتقول: "كان يقول لي دائمًا ادع لي بالشهادة يا أريج، وهي تقول إن شاء الله، ومرة سألها هل تطلبين لي الشهادة في دعائك؟ قالت له: نعم، أسأل الله أن تنال شهادة الدكتوراه، فاشتاط غضبًا، وقال لها أقصد الشهادة في سبيل الله".

تضحك هي مستذكرة ذاك الموقف، وتقوله بذات النبرة الخليلية متعجبة منه: "كيف يعني أدعيلك تموت وتتركني، فقال لي غاضبًا، بدك تدعيلي أستشهد من يوم وطالع، وبدأ بمناوشتي حتى قلت له طيب خلص زي ما بدك تعصبش عليّ..".

| أيام رائد مسك الأخيرة

كان الشهيد رائد يحضر الهدايا لأبنائه دائمًا، ولكن في أيامه الأخيرة أصبح الأمر مزعجًا لأريج، حيث أصبح يحمل لهم الهدايا يوميًا في أسابيعه الأخيرة التي عاشها، فكانت تقول له معاتبة: "بكرا بتعودنا على كثرة الهدايا، ويمكن أحوالنا المادية ما تسمحلنا وبتصير الهدية ما إلها قيمة في الوقت إلي إحنا لازم نخليها وسيلة للمكافأة وأسلوب تربوي، فيرد رائد: "صح كلامك، بس نفسي أفرحهم على قدر استطاعتي، بس بوعدك أنتبه في الأيام الجاي لهاي النقطة". لكن لم أكن أعلم أنه كان يودعهم هذه الطريقة، ويريد أن يسعدهم ويحفر ما يمكن حفره من ذكريات في ذاكرتهم بشتى الطرق قبل رحيله".

باستغراب  "شو هذا يا رائد هاد لسما؟ لسها صغيرة كثير هاد العقد والحلق لوحدة صبية!". رد رائد بشكل تلقائي على أريج وهو يحمل ابنته ذات السنة ونصف السنة، سما، ويلاعبها: ".. ما بعرف شفته واستحليته لسما، مش مشكلة بتلبسه بس تكبر وبتتذكرني فيه!". ردت عليه أريج دون ريبة: "لا يا رجال إن شاء الله بس تكبر بتجبلها زيه وأحلى".

كان الشهيد رائد يحضر الهدايا لأبنائه دائمًا، ولكن في أيامه الأخيرة أصبح الأمر مزعجًا لأريج، حيث أصبح يحمل لهم الهدايا يوميًا في أسابيعه الأخيرة التي عاشها، فكانت تقول له معاتبة: "بكرا بتعودنا على كثرة الهدايا، ويمكن أحوالنا المادية ما تسمحلنا وبتصير الهدية ما إلها قيمة في الوقت إلي إحنا لازم نخليها وسيلة للمكافأة وأسلوب تربوي، فيرد رائد: "صح كلامك، بس نفسي أفرحهم على قدر استطاعتي، بس بوعدك أنتبه في الأيام الجاي لهاي النقطة". لكن لم أكن أعلم أنه كان يودعهم هذه الطريقة، ويريد أن يسعدهم ويحفر ما يمكن حفره من ذكريات في ذاكرتهم بشتى الطرق قبل رحيله".

اتصلت  بأمي أبث لها مخاوفي، فطمأنتني أن القدس ونابلس لا تلتقيان في الطرق وليستا قريبتان مع بعض حتى. وبعدها بفترة قصيرة كنا نجلس على التلفاز، فإذا بالشريط الإخباري العاجل يظهر وقد كتب فيه: "كتائب القسام تعلن مسؤوليتها عن العملية، وتزف شهيدها البطل والمنفذ رائد مسك. أصابني الذهول، اتصلت بوالدتي أقول لها أن زوجي استشهد.

كان واصل الرحم دائم الزيارة لإخواته البنات، وقبل استشهاده بيومين اصطحبها إلى بيت أخته، بعد أن قال لها أنها دعتهم على الغداء، ترددت أريج خجلًا ، ولكنه أصرّ، باتوا في بيتها تلك الليلة بعد أن طلبت منهم ذلك،  لتكتشف ضيفتنا بعد حين أن الغداء كان من ترتيب الشهيد وعلى نفقته الخاصة، وأن المبيت كان بطلب منه أيضًا، لأن موعد استشهاده قد اقترب، وكان ذلك جزءًا من خطته كما تظن، حتى أنه لم يبت تلك الليلة أمضاها يقف على شباك البيت، حتى طلوع الفجر بعد أن لاعب الأطفال طويلًا حتى ناموا.

يوم ١٩/٨/٢٠٠٣ كان يومًا متناقضًا التقى فيه الفرح والترح، وغنت فيه النساء زغرودة واحدة لعريسين مختلفين، الأول زفوه لبيت الزوجية والآخر إلى الجنة. في هذا اليوم الذي كانت السيدة أريج مبتهجة تشارك أخت زوجها فرحتها بزفاف ابنتها، كان  الشهيد مسك في فرح آخر ليتلقي بالدعوة التي لطالما دعا الله أن يبلغه إياها وقد تحاشتها السيدة أريج طويلًا. ذاك اليوم الذي أصرّ فيه الشهيد رائد أن يرتدي قميصًا أبيض وبنطالًا أسود، في حين تعجبت زوجته من الأمر، فهي التي كانت تنسق له ملابسه. وهذا القميص لا يلبسه زوجها إلا في المناسبات الرسمية حتى لا يتسخ، ولكنه أصرّ، ظنت هي أنه يريد أن يتزوج عليها!

مسك.jpg
الشهيد رائد مسك مع أطفاله

خرج الشهيد مسك في ذلك اليوم بعد صلاة الفجر إلى نابلس لمتابعة أمور رسالة الماجستير الخاصة به، كان ذات اليوم الذي ستزف فيه ابنة أخته، وغربت الشمس، وهو لم يتصل بزوجته حتى اتصال، وحدثت في حينها عملية في القدس، مما أدخل الخوف قلب زوجته، وأكبر مخاوفها أن تبدأ عمليات الاعتقال وينال زوجها نصيبه منها، لا أكثر! 

 تقول السيدة أريج: "اتصلت  بأمي أبث لها مخاوفي، فطمأنتني أن القدس ونابلس لا تلتقيان في الطرق وليستا قريبتان مع بعض حتى. وبعدها بفترة قصيرة كنا نجلس على التلفاز، فإذا بالشريط الإخباري العاجل يظهر وقد كتب فيه: "كتائب القسام تعلن مسؤوليتها عن العملية، وتزف شهيدها البطل والمنفذ رائد مسك. أصابني الذهول، اتصلت بوالدتي أقول لها أن زوجي استشهد، وهي من صدمتها قالت لي مستحيل، حتى جاء ولدي ابن الثلاثة أعوام وقال لي: "ماما شفت صورة بابا على التلفزيون حامل المصحف بإيد والبارودة بإيد". وهنا تأكد الخبر وبين الصدمة والحزن، كان لا بد من الصبر والاحتساب والحمد لله.

| أم وأب

سما مسك.jpg
سما ابنة الشهيد رائد مسك

حاولت منذ استشهاد زوجي أن أربط أبنائي بوالدهم وكأنه بينهم بأي طريقة ممكنة، وعلى الرغم من أني ومنذ استشهاد زوجي إلى اليوم، وأنا أعيش في بيت أهلي رفقة أبنائي، لم أقطعهم عن أهل والدهم، وحاولت أن أوطد العلاقة بينهم، كنت دائمًا أخبرهم في كل وقت عن والدهم، وكيف كانت حياتهم معه، وما ساعدني في هذا أن كل الناس تقريبًا في الخليل، كانت تعرفة، وبالتالي، أينما دخلنا أو ذهبنا بمجرد معرفة أسماء الأطفال يذكرون لهم محاسن والدهم وروعته.

"ماما بدي أدخل عند بابا على التلفزيون"، لا أنسى هذا الطلب الذي طلبه مني  ابني الكبير ذي الثلاث سنوات في ثالث يوم للعزاء. كثيرة هي الطلبات كانت، مثلًا: تأخرنا على الجنة خلينا نروح عند بابا بكفي، أو مثلًا: ليش بابا مش معنا بالعيد عند رؤيتهم للطفال رفقة آبائهم. ولكن كنت أحاول أن أقول لهم النعم لا تكتمل كل منا لديه نقص، نحن لدينا بيت وصحة ومال ومدرسة، ولكن ليس لدينا بابا. كنت أحاول أن أجعل من كل سؤال فرصة تربوية".

وتضيف أريج عن حال الأم في غياب الأب: "لم يكن من السهل أن أكون الأم والأب؛ فالأم رمز العاطفة والحنان، في ذات الوقت، عليّ أن أربي أبنائي ليكونوا خير خلف لوالدهم، فتارة قاسية وتارة لينة. كان يتعجب مني الناس، ويقولون يجب أن أحدد موقفي، حتى أنا ذاتي كنت أشعر بدوامة أحيانًا". كانت أريج تقرأ الكثير من الكتب، وتأخذ الكثير من الدورات في سبيل أن تربي أبناءها كما يجب، خصوصًا أن المرحلة كانت تزداد صعوبة كلما كبروا في السن وازدادت حاجتهم، وخصوصًا الذكور. وتعيد الفضل من قبل 

كما ذكرنا أن السيدة أريج معلمة، وإلى جانب ذلك، كانت أمًا وأبًا وربة منزل ومعيلة، لذلك كانت المسؤولية أكبر. كان وقتها أضيق، ولكنها كانت تحاول التوفيق بين كل شيء ولو على حساب صحتها وراحتها، المهم أن لا يكون على حساب أبنائها وتربيتهم ورعايتهم. تقول: "كوني أسكن في بيت العائلة، كنت أحيانًا أشكل ضغطًا على الأسرة، وهم يدركون أن أولويتي هي أبنائي، وهم أمانة كبيرة في عنقي كأم زوجها غائب. أذكر أني كنت أطلب من أبي أن يلغي وليمة مثلًا، لأن أبنائي لديهم امتحانات في ذلك اليوم. وعلى صعيدي الشخصي لطالما تغيبت عن مناسبات، ولطالما أخذت إجازات على حسابي لمجرد أن الوضع النفسي لأبنائي ربما ليس على ما يرام ذاك اليوم، وكل شيء يهون على أن لا يهونوا".

| مواقف لا تنتسى

1-13.jpg
أبناء الشهيد رائد مسك

عندما يتوزع الحمل على شريكين يصبح كل شيء أسهل وأخف وحمله أهون، ولكن عندما يكون الحمل كله على شخص واحد، لا شك أن الصعوبات ستتكاثر عليه، ولكن هناك مواقف لا تنتسى.

أولى المواقف التي لا تنساها أريج، والتي كانت الأصعب عليها هو يوم ولادتها لطفلها الثاني محمد رائد، وزوجها كان قد استشهد من فترة قصيرة: "لطالما وصاني زوجي بهذا الجنين، وكان يقول لي هو أمانة في عنقك، فهو يعرف أنه لن يراه وهذا ما حدث. كنت أخاف وأبكي كلما أخبرتني الطبيبة عن اقتراب موعد الولادة، ولكن أخفف عن نفسي بالدعاء بأن يكون هذا الجنين، الذي لم أكن أعرف جنسه، أن يكون ذكرًا وشبيهًا لوالده في كل شيء الشكل، والصفات وأن أسميه رائدًا، وهذا ما حدث فعلًا."

أسميته محمد رائد، وهو اسم مركب لأن زوجي كان يريد أن يسمي محمد في حال كان ذكرًا، تيمنًا بالرسول، صلى الله عليه وسلم. ورغم معزة رائد إلا أنه ليس أغلى من رسولنا، فسميناه محمد تيمنا بالرسول وأضفنا عليه رائدًا، تيمًنا برائد عسى أن يجمع في خلقه بين الرجلين. تضيف السيدة أريج إلى جانب هذا الموقف موقف المناسبات السعيدة التي تفتقد فيها زوجها جدًا، وتبكيه في كل مرة، والأصعب هو لحظة اتخاذ القرارات المصيرية، كالزواج ودخول الجامعات وغيرها.


اقرأ أيضًا: سيما متولي: خلسة العيش بعيدًا عن قبضة السجان


آخر مناسبات عائلة الشهيد رائد مسك هي نجاح وتوفق ابنها الأخير في الثانوية العامة، قال وقتها محمد رائد كلمة وقف الناس أمامها حيارى، عندما سألوه: "كيف جبت هيك معدل؟". فردّ بقوة وثبات وفخر: "أبناء الشهيد لازم يجيبوا علامات تليق بآبائهم". تقول السيدة أريج رغم الحزن في كل مناسبة على غياب الشهيد رائد، إلا أني كنت أحاول أن أخلق أجواء الفرح، زينت ليلتها البيت ليفرح ابني، غير متناسيين والده الذي لطالما رافقنا طيفه، ولطالما زرعت في أبنائي القاعدة التي قالها محمد رائد أمام الكاميرات، يجب أن تكونوا متفوقين، وأن تكونوا رجالًا يفخر بهم والدهم" 

في ظل كل هذا تذكر لنا السيدة أريج الداعمين لها، فبعد الله سبحانه وتعالى، كان والدها ووالدتها وأخوتها وأعمامها خير معين لها، حتى أنهم رعوا أبناءها كما لم يراعوا أبناءهم دعموهم بشتى الطرق، وكانوا لها ولأبنائها خير معين بعد الله.