بنفسج

هل يفقد الكتاب معركته يومًا ما؟

الأربعاء 26 أكتوبر

يخيل إليّ أحيانًا أن للجمادات معاركها أيضًا، تمامًا كمعارك البشر، فمنذ القِدم ألغت الكهرباء وجود السراج، والمدفأة وجود الكانون، واليوم "المكيف" على وشك أن يلغي كليهما، الحاسوب الثابت خسر معركته أمام الحاسوب المحمول، والهاتف المحمول في جولته الأخيرة مع الحاسوب المحمول. لقد بات حسم المعركة وشيكًا... الحيوانات أيضًا، كانت أحد الخاسرين في معركة الحداثة هذه، فقد ألغى وجود السيارات والطائرات ووسائل النقل المختلفة دورها، لكن السؤال الأهم الذي يؤرقني: هل خسر الكتاب معركته الأخيرة أم لا زال له بقايا حضور؟

| لماذا تقرأ؟

 

لم يكن الكتاب الخاسر الوحيد من الجمادات دعه يغادر مثله مثل غيره المهم أن تقرأ؛ فالآية واضحة قالت "اقرأ باسم ربك"، وها أنت تقرأ فلماذا معاناة الكتاب وحمل الكتاب وشراء الكتاب، ثم قراءة الكتاب ما دامت القراءة متحققة؟

في حصتي التعارفية الأولى على طالبات الصف العاشر لهذا العام سألت السؤال التالي للطالبات "ما الهدف من وجودك في المدرسة"، ورغم أنني لم أتفاجئ ببعض الأجوبة الشاذة من قبيل "باجي أتسلى وأشوف صاحباتي"، إلا أن الجواب الغالب كان "جاية عشان أتعلم".

 فألحقت السؤال الأول بأخيه بعد أن سمعت جميع الطالبات، وهو لمن أجابت بأنها جاءت لتتعلم كم معلومة تتذكرين من المعلومات التي درستها في العام الماضي؟

هل حصنت الأفلام القصيرة التي تستهوينا ومقاطع "السوشال ميديا" نفسها ضده أم أنه لا زال يخترقها ويسجل الجولات له؟ هل يمكن الاستغناء عن الكتاب مع الوقت لتحل محله الأفلام، ويكون هو قد خسر معركته الأخيرة ورفع الراية البيضاء عاليًا؟ ورغم أني أشعر بالضياع لهذه اللحظة؛ فالأفكار مشتتة وضائعة كحال الكتاب تمامًا، إلا أنني أعدك قارئي العزيز، أن أهذب المقال جيدًا قبل أن أرسله لك كما تحرص على تهذيب ابنك. انتظر لحظة، أنت الآن تقرأ أليس كذلك؟ والهدف من الكتاب القراءة أيضًا؛ فالمصلحة متحققة بدون الكتاب؛ فلماذا الكتاب؟

لم يكن الكتاب الخاسر الوحيد من الجمادات دعه يغادر مثله مثل غيره المهم أن تقرأ؛ فالآية واضحة قالت "اقرأ باسم ربك"، وها أنت تقرأ فلماذا معاناة الكتاب وحمل الكتاب وشراء الكتاب، ثم قراءة الكتاب ما دامت القراءة متحققة؟ في حصتي التعارفية الأولى على طالبات الصف العاشر لهذا العام سألت السؤال التالي للطالبات "ما الهدف من وجودك في المدرسة"، ورغم أنني لم أتفاجئ ببعض الأجوبة الشاذة من قبيل "باجي أتسلى وأشوف صاحباتي"، إلا أن الجواب الغالب كان "جاية عشان أتعلم".


اقرأ أيضًا: كيف تربي طفلك على حب القراءة؟


ألحقت السؤال الأول بأخيه بعد أن سمعت جميع الطالبات،  وهو لمن أجابت بأنها جاءت لتتعلم كم معلومة تتذكرين من المعلومات التي درستها في العام الماضي؟ولما كانت المعلومات قليلة ضئيلة، قلت لهنّ، إذن نحن هنا لنكتسب مهارات في التعامل مع الناس والمجتمع والحياة ولنواجه الحياة بشكل أفضل أكثر من أن نكتسب المعلومات، ثم خطر في بالي خاطر لم أصارحهن به: ألسنا نحن من نقتل حب الكتاب في نفوس طلابنا؟ ألسنا نحن من نحرق الكتاب؛ فبالتالي نعجل في خسرانه للمعركة؟ ألم يكن أسلوب التلقين والحرص على العلامات سببًا في كره الطالب للكتاب وبعده عنه؟ ثم ألم يطلب المشرفون التربويون ومدراء المدارس تنوع الأساليب واستخدام التكنولوجيا في التعليم؟

| أسباب غلبة الكتاب؟

كتاب.png
صححوا مفهوم الكتاب لدى أبنائكم وأقيموا بينه وبينهم علاقة عشق

هذا دليل كافٍ إذن على أن الكتاب وحده لا يكفي وأنه قد خسر معركته مع غيره؛ أيها القارئ على رسلك، فإذا كنت من مناصري الكتاب لا تتعجل بالغضب أما إذا كنت من باغضيه، فلا تتعجل بالفرح فلا زال في الكلام بقية. عندما فسر الرسول -صلى الله عليه وسلم- معنى القوة قال عليه السلام: "ألا إن القوة الرمي"، ورغم تعاقب السنين وتغير أساليب القوة إلا أن الرمي ظل حاضرًا، وكذلك الكتاب سيظل حاضرًا يرمي كل جهل ويبني ويعمر العقول. نتغنى كثيرًا في حياتنا اليومية بالأصل، وأنه لا يمكن تجاوزه، فلولاه ما كان للفرع وجود، وهنا أقول لكم أن الكتاب أصل كل ثقافة وأساس كل معرفة، وذلك لأسباب كثيرة منها:

| أولًا: الكتاب لا يمكن أن يغيب، منذ زمن امتد آلاف السنوات والكتاب حاضر، فقد أرسل الله رسله عليهم السلام بالكتب.

| ثانيًا: الكتاب هو المرجع الوحيد الباقي، فكل شيء سواه قد يخسر معركته مع الوقت أذكرك قارئي العزيز "بالإيميل"، والأقراص الصلبة"cd" ، وكيف كنا قد تعلقنا بها بفترة ما ألم تخسر معركتها أمام "الفيس بوك" و"اليوتيوب" وغيرهما، أليس من المحتمل أن يأتي يوم وتخسر هذه الأخيرة معركتها هي الأخرى؟ هذا مؤكد.


اقرأ أيضًا: "وإلا فاترك المدرسة"... عن أبي الذي علمنا


| ثالثًا: كثيرًا من الأفلام المفيدة كانت مصادرها في الأصل الكتب ككتب التاريخ مثلًا، وصحيح أن الأفلام تضيف شيء من الإثارة والحماس، لكن المصدر الأساسي لها هو الكتاب، إلا إذا استثنينا التفاهات، مما يضيع وقت الناس ولا يفيدهم.

| رابعًا: أي شيء غير الكتاب قد يعطيك معلومات، لكنه أبدًا لن يعطيك ثقافة ممنهجة في شأن متكامل، الكتاب وحده يمنحك تراكمية المعلومات، وبالتالي الثقافة والخبرة.


اقرأ أيضًا: القراءة كعادة يومية...خطوات عملية


| خامسًا: كل ما لم يوثق بالكتابة ضاع واندثر مع الأيام ولك أن تسرح بخيالك وتثبت لي نقيض كلامي إن استطعت. أخيرًا أقول لكم انصروا الكتاب في معركته لأنه أساس رفعة الأمم وتقدمها، صححوا مفهوم الكتاب لدى أبنائكم وأقيموا بينه وبينهم علاقة عشق، فهذا العشق واجب. ورحم الله أستاذنا فرج عبد الحسيب؛ إذ قال لي يومًا مشجعًا على الكتابة "ابتعرفي يا أنوار أنظر إلى الدنيا فأجد كل من كان فيها غائب إلا من هم في المكتبات". نعم، فكما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله "كتاب العالم ولده المخلد".