بنفسج

عرين الأسود: نابلس تستعيد مجدها

الخميس 13 أكتوبر

كنت أقلب في القصص (الستوري) الموجودة على حسابي في الإنستغرام، فإذا بإحدى الصديقات، وهي طالبة في جامعة النجاح، تنشر صورة لها على مدخل قرية دير شرف من الجهة الجنوبية، كُتب عليها: "من 3 ساعات ما قدرنا نتحرك، بدي أرجع ع بيتي بطولكرم والطرق مسكرة". 

يوجد تفرع مركزي ينفد لمدينة جنين وطولكرم، وهو الطريق الرئيسي الوحيد تقريبًا الذي يصل نابلس بهاتين المدينتين عبر قرية دير شرف، والتي تحيطها عدة مستوطنات، أتم إطلاق النار على إحداها، وهذا سبب الإغلاقعلى أي حال، تكلمت مع الفتاة وأخبرتها أن لي أقارب من القرية، ويمكنها المكوث لديهم حتى تتمكن من العودة، ولكنها قالت لي إنهم وجدوا طريقًا التفافيًا يمكنهم الوصول من خلاله، ولكنه سيستغرق ضعف الوقت مرتين عن الطريق الاعتيادي.

في تلك الفترة كانت نابلس تحديدًا تحتضن عددًا كبيرًا من المقاومين تمركزوا في البلدة القديمة، فلطالما كانت عصية على الاحتلال تبعًا لهيكلية بنائها الصعبة، فهي قريبة من شكل المتاهة، حتى أهل البلد ذاتهم قد يتوهوا داخل زقاقها، كما أنها مسقوفة ولا يمكن كشفها من خلال طائرات الاستطلاع أو الزنانة كما يسميها الفلسطينيون.

كلمات مثل: أغلقوا المداخل، طريق التفافية، نابلس منطقة أمنية مغلقة، عملية عسكرية، وغيرها، تعيدني بالذاكرة لفترة نهاية التسعينيات، وبداية ال 2000، ففي تلك الحقبة انطلقت الانتفاضة الثانية، وبرزت فيها الخلايا العسكرية التي اتخذت العمليات العسكرية المباشرة تجاه الاحتلال أسلوبًا في المقاومة، مثل إطلاق النار على المستوطنات والحواجز العسكرية وتنفيذ عمليات التفجير والعمليات الاستشهادية، ولكن قلت مثل هذه العمليات بشكل كبير بعد ما يسمى عملية الردع الواقي التي حاولت اجتثاث المجموعات الفدائية والمقاومين بشكل مباشر وعنيف، فاستشهد عدد كبير، واعتقل آخرون لا يزال منهم ممن يقضون محكوميات بالمؤبدات أو عشرات السنين حتى اليوم.

في تلك الفترة كانت نابلس تحديدًا تحتضن عددًا كبيرًا من المقاومين تمركزوا في البلدة القديمة، فلطالما كانت عصية على الاحتلال تبعًا لهيكلية بنائها الصعبة، فهي قريبة من شكل المتاهة، حتى أهل البلد ذاتهم قد يتوهوا داخل زقاقها، كما أنها مسقوفة ولا يمكن كشفها من خلال طائرات الاستطلاع أو الزنانة كما يسميها الفلسطينيون.


اقرأ أيضًا: أٌمُّنا عايدة الصِّيداوي: جارة الأقصى حين أُبعدت عنه


لذلك، وحتى يستطيع الاحتلال في تلك الفترة تحقيق أهدافه، هدم الاحتلال أجزاءً كبيرة من أطراف البلدة القديمة على رؤوس أهلها، واستطاعت، بعد خروج المقاومين منها، أن تستهدفهم. ومنذ ذلك الحين بات نشاط المقاومة قليل جدًا وفرديًا في غالب الأحوال، يقتصر على أفراد لا مجموعات كما كان من قبل، حتى جاء من يقلب المعادلة، فظهرت مجموعة تسمى "عرين الأسود".

وهم مجموعة من المقاومين الشباب لا تزيد أعمار أكبر فرد فيهم عن ٢٥، أغلبيتهم من أهل البلدة القديمة لا ينتمون إلى فصيل سياسي محدد، تتراوح أعدادهم بين 50 - 60 حسب تقديرات غير ثابتة؛ اشتهر منهم إبراهيم النابلسي وعبود صبح والشيشاني ومصعب اشتية ومحمد طبنجة، يشتبك أفرادها بشكل مستمر مع الاحتلال ويطلقون نار على مواقع والمستوطنات، ويوقعون الجرحى والقتلى، وآخر عملية لهم كانت عبر إطلاق النار على مستوطنة "شافي شامرون" المحاذية لدير شرف، وإصابة عدة جنود أحدهم في حالة خطيرة.

جاءت هذه العملية ردًا على الأحداث التي تدور في مخيم شعفاط، حيث يحاصر الاحتلال المخيم منذ أربعة أيام (8 أكتوبر)، ويتعرض لحملات عسكرية مستمرة وتضييقات، بحثًا عن منفذ عملية حاجز مخيم شعفاط التي قتل على إثرها مجندة وأصيب جنديين بجروح خطيرةوكما جاءت هذه العملية أيضَا تحديًا للمستوطنين، الذين صرحوا بأنهم يحاصرون نابلس والقرى المحيطة بها، يسرحون ويمرحون كما يحلو لهم،  فكان الرد من الأسود في عرينهم "من يحاصر من؟!". ودعوا بعد هذه العملية في بيان لهم إلى إضراب شامل واستنفار عام على جميع نقاط التماس والحواجز العسكرية. ناهيك عن الاقتحامات التي يتعرض لها المسجد الأقصى من اقتحامات صارخة تنتهك حرمته وقدسيته.

لم تكن عرين الأسود التي يتغنى بها كل فلسطيني حر اليوم معروفة قبل 6 شهور، ولكن بعد اغتيال الاحتلال لثلاث شباب، وهم: محمد الدخيل وأشرف مبسلط وأدهم مبروكة، كشف عن الخلية التي ينتمون لها، ولم تكن تسمى عرين الأسود في حينها، ولكن نظم المقاومون الملتفون سويًا أنفسهم وسموا أنفسهم بـ "عرين الأسود".

تستعيد نابلس اليوم عافيتها بالوقوف في وجه الاحتلال الذي زاد من اعتداءاته في الفترة الأخيرة على المقدسات والمدن الفلسطينية عامة، ومدينة نابلس باقتحامها مرارًا وتكرارًا لزيارة ما يلقبونه بقبر النبي يوسف، مع العلم أن هذا القبر يُنسب لشخص اسمه يوسف دويكات، كان متصوفًا ومدرسًا في تلك المنطقة وتوفي عام 1906، يحاول الاحتلال حاليًا فرض واقع جديد بجعل تلك المنطقة مستوطنة وبؤرة عسكرية وهو ما حاول فعله مسبقًا، ولكن تصدى له أهل نابلس في هبة النفق عام 1996 التي استشهد على إثرها 6 فلسطينيين، واليوم مع فتح هذا الملف من جديد لن يعلم الاحتلال أن هناك من يقف له بالمرصاد.

لم تكن عرين الأسود التي يتغنى بها كل فلسطيني حر اليوم معروفة قبل 6 شهور، ولكن بعد اغتيال الاحتلال لثلاث شباب، وهم: محمد الدخيل وأشرف مبسلط وأدهم مبروكة، كشف عن الخلية التي ينتمون لها، ولم تكن تسمى عرين الأسود في حينها، ولكن نظم المقاومون الملتفون سويًا أنفسهم وسموا أنفسهم بـ "عرين الأسود"، وفتحوا الباب لانضمام عشرات الشبان إليها. أفرادها يرتدون زيّاً موحداً باللون الأسود، وتغطي فوهات بنادقهم قطع من القماش الأحمر لتؤكد أن لا رصاصة ستطلق هدراً بعد أن اشتهر كثير ممن يحملون السلاح "بطخيخة" الأعراس والجنازات دون توجيهها للاحتلال.


اقرأ أيضًا: "اطبش واهرب": نساء على خطوط المواجهة 1


في جنازة الثلاث سطع نجم إبراهيم النابلسي، 19 عامًا الذي، وقد كان يحمل نعش رفقاء دربه وعيناه تتوقد غضبًا، ليكون بعدها أبرز أفراد الخلية الذي حاول الاحتلال اغتياله مرارًا دون جدوى، حتى نهاية أغسطس المنصرم. ثارت الأسود في العرين واتسعت رقعة عملياتهم، وما يزال الاحتلال يحاول ملاحقتهم والقضاء عليهم وهم في ازدياد وتمكين.