اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بالقُرْءَانِ وَاجْعَلهُ لِي إِمَامًا وَنُورًا وَهُدًى وَرَحْمَةً، اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَانَسِيتُ وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَاجَهِلْتُ، وَارْزُقْنِي تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَارَبَّ العَالَمِينَ. هنيئًا تاج الوقار لوالديّ، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، لقد كانت آخر صفحةِ أحفظها من القرآن، وهي الصفحة الأخيرة من سورة الأنعام؛ كنت أقرأ وأبكي وأقرأ وأبكي وأقرأ وأبكي، بكيت حتّى انفطر قلبي، وعندما انتهيتُ رفعت كفّيّ إلى السّماء ودعوت، لم أبقِ في قلبي شيئًا من أمور الدّارين إلّا دعوت به، لم أعرف أين أتجه بعدها، من أخبر؟ لمن أقول؟
هي ليست من نوع السّعادة التي تنقضي بانقضاء الحدث وتنقص مع مرور الزّمن، ربّما أي منبع ضوء يخفت وينقص إلّا هذا الضّوء، لا أراه إلّا يزداد ويشعّ أكثر مع مرور الزّمن.
ذهبتُ بسرعةٍ إلى والدتي، نظرت إليّ وأنا أغرق في دموعي، فسألتني "ماذا هناك؟! ماذا حدث؟!"، "ختمت القرآن يا أمّي". صرخت وعانقتها، أقسم أنّ الكون كان ضيّقًا عن حمل هذه الفرحة، بدأنا في البكاء كلتانا، ثمّ نظرت إليّ وقالت". هل ستشفعين لي يوم القيامة؟". "إذا لم أشفع لكِ فلمن أشفع؟!". كان لي موعد تسميع مع مشرفتي إسراء، لم تكن تعلم أن هذه آخر الصفحات لي، عندما أخبرتها أنّ هاتين آخر صفحتين، لم تجب، قالت يا الله يا شهد، ما شاء الله عنك، بارك الله فيك لا زلت إلى اليوم أبكي كلّما تذكّرتُ هذه اللّحظات وكأنّي أعيشها الآن.
اقرأ أيضًا: في أربعة أشهر.. كيف حفظت القرآن كاملًا؟
هي ليست من نوع السّعادة التي تنقضي بانقضاء الحدث وتنقص مع مرور الزّمن، ربّما أي منبع ضوء يخفت وينقص إلّا هذا الضّوء، لا أراه إلّا يزداد ويشعّ أكثر مع مرور الزّمن، ولا زلت أتذكر أول بداياتي في مسيرة حفظي للقرآن الكريم، كنت حينها في بداية سنتي الدراسية الثانية في الجامعة عندها قابلت المشرفة من ملتقى القرآن الكريم، إسراء حرازنة، وسألتها عن كيفية التسجيل في الملتقى؛ فعقدت النية على الالتزام وبداية الحفظ بدأت بكل نشاط ومثابرة.
وقتها أهدتني مشرفتي هدية لا زلت أحتفظ بها حتى اليوم، وفيها ورقة مكتوب فيها "ما زاحم القران شيئًا إلا باركه". غرست هذه العبارة في عقلي، درست تخصص هندسة الحاسوب في الجامعة العربية الأمريكية وهو ليس بهين، وتخرجت منه بامتياز مع نيل مرتبة الشرف. وعلى الرغم من عبء المسؤولية التي كانت على عاتقي من دراسة، وإعداد مشاريع وضغط امتحانات، لم يكن يهمني ذلك، فقد كنت أخصص آخر ساعة من يومي قبل النوم لحفظ صفحة جديدة من القرآن أو لمراجعة صفحات سابقة.
في سنة دراستي الأخيرة ضاعفت مجهودي في الحفظ. صرت لا أقتصر على حفظ صفحة واحدة فقط، بل كنت أحفظ خمس صفحات يوميًا. كنت أرى أثر عبارة مشرفتي في حياتي "ما زاحم القرآن شيئًا إلا باركه". كنت أرى البركة في أمور حياتي الواحدة تلو الأخرى، كانت أمور حياتي تتيسر بقوة إلهية عظيمة، أودّ أن أذكر إحداها؛ فقبل تخرجي من الجامعة، قدمت لإحدى الشركات بطلب تدريب، فما لبثت أن قابلت، وقبل أن أخرج من القاعة أخبروني أنهم وافقوا على طلب توظيفي وليس طلب تدريبي، وهذا ليست العادة؛ أن يتم إعطاء جواب القبول أو الرفض في نفس الجلسة، كل هذا بفضل من الله ومنّة.
اقرأ أيضًا: ذكرى واحتفاء: حينما نقش القرآن قلبها
أودّ أن أنهي بإعطاء نصائح من خبرتي المتواضعة في مسيرة حفظي للقرآن: من أهم الأمور لسهولة الحفظ أن يتم سماع ما حُفظ، وترديده باستمرار خلال أعمالك المنزلية، أو ركوب المواصلات العامة، وقراءة ما حفظ في الصلوات، وأيضًا ضرورة متابعة الحفظ والتسميع عن طريق إحدى المشرفات أو أفراد العائلة، وملازمة الدعاء والتضرع لله بأن ييسر الله هذا الطريق في حفظ كتابه. أسأل اللّه أن يشعّ في قلبي إلى أن أقف يوم القيامة، وأسمع نداء اقرأ ورتّل وارتقِ، وأقرأ وأرتّل وأرتقي".