الخميس 09 مارس
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا﴾. القرآن كله قريب إلى قلبي، ولكن هذه الآية أحبها للغاية. من طفلة دائمة السماع للقرآن الكريم إلى حافظة له ومعلمة، إنه أعظم ما يمكن أن يفعله المرء على الإطلاق.
بدأت رحلتي مع القرآن وأنا في عمر السابعة حين سجلت لأول مرة في مركز لتحفيظ القرآن، وعكفت على الحفظ، وأنا مستمتعة بكل ما أفعله، حتى وصلت للصف العاشر وأنهيت ١٤ جزء، سعدت بالإنجاز الذي حققت ولكني أردت المزيد والسرعة في الحفظ، فالتحقت بالمنتخب القرآني لتحفيظ القرآن في عام واحد، فبدأت رحلة حفظ مختلفة حتى أنهيته كاملًا مع نهاية الصف الحادي عشر.
القرآن الكريم رفيقي الأول ودليلي الدائم، فهل بمجرد حفظه انتهت رحلتي، لا والله، لا تنتهي طالما أنا على قيد الحياة مستمرة بتثبيته وترديده في كل وقت وحين. وأنا في الثانوية العامة بدأت التثبيت والتحقت بعدها بعدة مراكز لتحفيظه، منها: مدرسة النور، وملتقى القرآن الكريم التابع لجامعة النجاح.
أنا ربا الويسي من مدينة قلقيلية، حافظة لكتاب الله، وأدرس الشريعة، قسم أصول الدين في جامعة النجاح. حصدت المرتبة الأولى على قسم أصول الدين فرع اللغة العربية، وحصدت قبل ذلك في الثانوية العامة على المرتبة الأولى على الوطن بمعدل 99.3 الفرع الشرعي، لم أنل النجاح من فراغ؛ فكان توفيق الله السر الأول لنجاحي، ثم تنظيم الوقت، فأنا أستيقظ من الفجر وأبدأ ورد القرآن .. ٣ ساعات يومية كنت أخصصها للقرآن الكريم، ولله الحمد أينعت ثمارها وقطفتها.
صوت القارئ هزاع البلوشي في سورة الحجر يأخذني إلى عالم آخر من الهدوء، فهو أحب الأصوات إلى قلبي. لكل آية في كتاب الله مذاق مختلف وأنا أظل أردد آية {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. بكيت عن سنين بكاء حين ختمت آخر آية من القرآن الكريم، قرأت دعاء الختم وأنا أبكي بشدة، احتضنت مصحفي ودموعي تنهمر من فرحتي، وكنت أردد الحمدلله، رب لا تحرمني نعمة القرآن.
لأخبركم عن موقف لا زال عالقًا في ذاكرتي بالرغم من مرور سنوات عليه، في مرة بعد أن أُجريت معي مقابلة حدثتهم فيها عن حفظي للقرآن، طلب شخص من الحضور أن يختبرني أمام الجمهور ، فأعطوني ٤ مواضع في القرآن، كنت ما زلت حافظة جديدة، وعلى أبواب مرحلة التثبيت والتي هي من أهم المراحل للحفاظ فامتلكتني الرهبة، لكن أكرمني ربي وأجبت عليها جميعها ،وحمدت الله أني لم أخفق ..حينها عزمت ألا أترك التثبيت، وأن أستعدّ لقرآني بكل ما أوتيت ، فهناك موقف عظيم ينتظرني يوم القيامة.
لا شك أن الأهم أن يكون الحافظ مخلصا نيته لله ، وأن يضع القرآن على رأس أولوياته، ويضحّي بالوقت والمال والنفس من أجله. أنا الآن محفظة لكتاب الله، وددت أن أخصص جزء من وقتي لتحفيظ غيري، فكما وجدت من يدعمني ويحفّظني ويعلمني أردت أن أكون محفظة؛ تزكية لما نلت، ومن باب شكر الله على توفيقه وكرمه.
في تحفيظ القرآن وتعليمه أسير على قاعدة الرحمة والترغيب، كنت أظن سابقا أن على معلم القرآن أن يكون شديدًا حازمًا في أوقات، ورحيما رؤوفا في أوقات أخر، لكن أخبرنا شيخي ذات مرة بأن الرحمة أساس تعليم القرآن والأصل في المعلم أن يكون لينا سهلا، قال تعالى: "(الرحمن علم القرآن)، فاتخذت من الرحمة شعارا في تعليمه. كما أكافئ طالباتي في كل فترة من باب تشجيعهن وتحبيبهن في القرآن.
نلت المركز الأول في العديد من مسابقات القرآن الكريم، وفي كل مرة كنت أفرح جدًا بإنجازي، وأطمح في القريب أن أتمم حفظ القرآن بالقراءات العشر، إضافة إلى إكمال الدراسات العليا في دراسة الشريعة.