السبت 11 مارس
"برة الكتاب"، لربما يبدو الاسم غريبًا للسامع، وتأتي التساؤلات على "شو يعني" فأبدا بشرح فكرتي البسيطة بسلاسة. كان حلمي منذ سنوات الجامعة الأولى، لم يكن قد تشكّل في ذهني بصورته النهائية، لكنه مشروع يهدف إلى زيادة تعلق الطلبة بالمواد العلمية، بطرحها في قوالب تفاعلية أقرب للّعب منها للدراسة، وظل حلمًا في بالي حتى تخرجت.
أنا سجود البرغوثي، نشأت في قرية غرب رام الله، تدعى كفر عين، في ظل أبٍ وأمٍ محبَّيْن، محاطة بعناية ولطف الأجداد والأقارب. درست المرحلة الابتدائية في مدرسة القرية، ثم أكملت مرحلتي الإعدادية والثانوية في المدرسة الإسلامية في مدينة البيرة. وأنهيت درجة البكالوريوس، تخصص الأحياء من جامعة بيرزيت، حيث كانت تجربتي فيها مدعمة بالانضمام لبعض المجموعات التطوعية، مما جعل لسنوات الجامعة بصمة خاصةً على حياتي.
ما يقدمه مشروع "برة الكتاب"، هو تحويل المواد النظرية، في كافة المواد الدراسية، إلى أنشطة وألعاب تطبيقية تفاعلية، زيادةً في ترسيخ المعلومة في ذهن الأطفال، وأيضًا، إدخال عنصر المتعة لعملية التعليم.
عند إعلاني عن المشروع توالت الطلبات على الوسائل التعليمية، وواجهت الكثير من المواقف، لكنني أذكر طلبًا مميزًا من أحد المعلمات، تواصلت معي مرة وطلبت حوالي ثلاثين وسيلة، وقد كانت أطول فترة عملت فيها على تنفيذ طلبية، لكنها أمدتني مع التعب بالثقة بمشروعي، وبسعادة تعود إلي كلما عدت لأرى صور تلك الفترة، وكأنني أنهيتها للتو.
اختبرت هذه الفكرة كثيرًا قبل طرحها كمشروع، أولًا مع والدتي التي تمتلك روضة أطفال، فكنت لسنوات أساعدها بتقديم وتنفيذ بعض الأفكار لتعليم مواد الروضة، بالإضافة إلى تقديمي لبعض الهدايا لأقاربي من الأطفال، كالكتب التفاعلية وألعاب التركيب والذاكرة يدوية الصنع.
لأعود بالذاكرة قليلًا حيث مرحلة الطفولة، أنا الابنة البكر في عائلتي، كنت فتاة لا تتمرد على القوانين والأنظمة، بل تسعى لمراقبة تطبيقها، محبة لطاقم التدريس مديرة ومدرسات، كنت أسعى لخلق علاقات صداقة مع الكل، حتى المعلمات اللواتي لم يدرسنني، وأرفض الانخراط مع مجموعة تضم صديقات دون أخريات، وكنت أقضي وقت فراغي بين القراءة والرسم وصنع الأعمال اليدوية العجيبة.
مرت سنوات الدراسة ما بين شد جذب، وخضت تجرية جامعية مختلفة، وبعد تخرجي من الجامعة، حصلت على فرصة تدريب في إحدى شركات الأدوية، لم تعجبني أجواء العمل ولا آليته، تواصلت مع مكتبة دار العماد للنشر والتوزيع في الخليل، وكنت أحد زبائنها، واقترحت عليهم افتتاح فرع لهم في رام الله، وهكذا عملت لأربع سنوات في مجال الكتب والنشر، وتركت المكتبة منذ تسعة شهور عندما أنجبت ابنتي الثانية.
"برة الكتاب" كان داعمي الأول فيه زوجي، وأول ما طرحت عليه الفكرة مازحةً، شجعني على إطلاق الصفحة خلال أسبوع أو اثنين فقط، بعدها أخبرت أهلي وقدموا لي الدعم اللازم من كل النواحي. أما بداية المشروع المالية فكانت من مصروفي الشخصي، كنت قد احتفظت بمبلغ بسيط جانبًا، فبدأت به.
اليوم لدي طفلتان، مريم اقتربت من بلوغ العامين، وسارة ثمانية أشهر، أقرأ كثيرًا عن أنظمة وأساليب التعليم، ولا أعتمد منهجًا تربويًًا معينًا، بل أتبع ما أقرأ من هنا وهناك بحسب طاقتي ووقتي وما يناسب ظروفي، لكن كما يقولون، فالإسكافي حافي، وكل الأفكار المدونة جانبًا للألعاب المناسبة لعمريهما بقيت رهن الورق، فقضاء الوقت بصحبتهما يسرق أي لحظة فراغ يمكن فيها تنفيذ أية فكرة.
ولكن لدينا شيء واحد أساسي في روتيننا، هو القراءة، ومن القراءة تعلمت مريم الألوان والأشكال والمواصلات والحيوانات وبعض الأغاني، فقلت لا تلزمني الألعاب إذًا.
أكبر صعوبة تعترض المشروع هي ضيق الوقت، يحتاج المشروع لتفرغ أكبر مني للانتشار وتنفيذ الأفكار، بالإضافة إلى إرتفاع تكاليف التنفيذ، فالمشروع قائم على المواد المطبوعة بجودة عالية، لا أقبل الكتابة أو الرسم باليد، فإن الله يحب إذا عمل أحدنا عملاً أن يتقنه.
يعتمد تسويقي للمشروع على تمويل صفحة الفيسبوك والانستغرام، وعلى ترشيحات الأصدقاء له بين أصدقائهم، وهي صعوبة ثالثة بت أواجهها؛ فيوم أطلقت المشروع لم تكن صفحات التواصل بهذا التعقيد، بكل تلك الأوامر والمقترحات التسويقية، واليوم لا يمكن لك أن تشتهر دون استشارة متخصص يدلك على الطريق الصحيح.
في الفترة الحالية، يعتبر المشروع في فترة ركود، بسبب اضطراب العملية التعليمية من جهة، وانشغالي مع ابنتيّ من جهة أخرى، ومع ذلك، لا تمر فترة دون رسالة من زبون قديم، يتساءل هل ما زال بالإمكان تنفيذ طلب له؟
حاليًا، أعمل على أفكار جديدة لطرحها في المشروع في أقرب فرصة، وعندي حلم أن يصبح هذا المشروع جزء من حياة الطلبة، يدخل أحدهم المكان، يستشير حول المشروع المطلوب منه، ويصممه وينفذه بنفسه.
ولدي صفحة أخرى باسم قصة وفكرة، أقضي فيها وقت الفراغ، وأطمح أن أوصل من خلالها أهمية القراءة في حياة الأطفال، وأن أشجع أكبر عدد من الناس على اعتمادها كروتين يومي مع أطفالهم.