بنفسج

قصتي.. مروة هارون

الثلاثاء 16 مايو

رفاقي الأبديين أقلام المعادن والرصاص، ومشرط الترتيش، والخيوط الحريرية، والقصب وملحقاته، في داخل صندوق أدواتي أرى أحلامي التي أحب. كل منا ينغص عليه شيء ما، كان توفير الأقلام الجيدة مشكلتي، لم تتوافر في بلادنا سوى الأنواع الرديئة وبسعر مرتفع، كنت أريد نورًا لأرى الخطوط التي أخطها بشكل واضح، وهذا أيضًا ممنوع علينا، إثر انقطاع الكهرباء وخصوصًا بالشتاء، نعم نلجأ للبدائل ولكنها لم تكن كافية.

لم تكن الظروف في صفي، فالحرب التي دارت في بلادي سوريا لسنوات، وتدهور الأوضاع، جعلني في صندوق مغلق، فتوفير الأدوات التي أريدها لاستخدامها في التخطيط غير متوافرة، وانقطاع التيار الكهربائي، جعلني اعمل على "الليدات" التي تشع نورًا ضعيفًا يُسبب الصداع وآلام العينين، ومع ذلك استمريت في طريق الفن العربي.

أنا مروة هارون. منذ طفولتي أحب الفنون ويستهويني النظر إلى الوحات، في عمر الحادية عشر تابعت برنامجًا على التلفزيون يُعلم خط الرقعة، جمال الأدوات والحبر، نال إعجابي، فبدأت بتقليد الخط على دفتر المدرسة وشجعتني مديرة المدرسة حينها. "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"، كانت هذه الجملة مشروع تخرج من دورة خط الرقعة، تفننت في تخطيطها بشكل جميل، كتبتها بخط منحنٍ بدلًا من كتاباتها بشكل مستقيم.

رفاقي الأبديين أقلام المعادن والرصاص، ومشرط الترتيش، والخيوط الحريرية، والقصب وملحقاته، في داخل صندوق أدواتي أرى أحلامي التي أحب. كل منا ينغص عليه شيء ما، كان توفير الأقلام الجيدة مشكلتي، لم تتوافر في بلادنا سوى الأنواع الرديئة وبسعر مرتفع، كنت أريد نورًا لأرى الخطوط التي أخطها بشكل واضح، وهذا أيضًا ممنوع علينا، إثر انقطاع الكهرباء وخصوصًا بالشتاء، نعم نلجأ للبدائل ولكنها لم تكن كافية.

في مرة، أو دعوني أقول في مرات ومرات، كنت أغرق وسط لوحاتي والأقلام، والحبر مطبوع علي يدي، وإذ بالقصف يدك المكان، فتتلف الأدوات، وتنهار عزيمتي، كثيرًا كانت تُلغى الدورس الذي أخذها في الخط العربي، بسبب شدة القصف. لم يكن الأمر سهلًا أبدًا. هاجر العديد لخارج البلاد إثرها ومنهم أستاذي فانتقلنا في العام٢٠١٥ لنمط التعلم الإلكتروني، فكانت معضلة حقيقية بالنسبة لي.

الخط العربي عالم آخر بالنسبة لي، أراه متفردًا في مرونته وجماليته، مع محبتي لكل الخطوط الأخرى. من طالبة إلى مدرسة في الخط العربي، وها نمّى التعمق لدي بقواعد الخط العربي. وأواظب على التغذية البصرية ورؤية لوحات فنية للأستاتذة المتمكنين. حين أفكر بخط جملة جديدة أميل لاستخدام ورق الكوشيه أو الورق المقوى، لملائمتها للقصب والحبر. لم أجرب بعد الكتابة على اللوحات القماشية، ربما قريبًا أخوض التجربة.

كلمات التشجيع ترفعنا لأعلى، تترك أثرًا جميلًا في قلوبنا، قيل لي في مرة من أستاذي: أنتِ خطاطة بالفعل، مستوى خطك جيد جدًا بالرغم من عدم توافر أبسط الأدوات لعيشك في مدينة محاصرة". وحين اُسأل هل أنتِ وارثة لجمال الخط من عائلتك؟ أقول: لم يوجد من احترف الخط في عائلتي، لكن أختى الكبرى تكتب بخط جميل، وبنات عمي لديهن بذرة الخط الجميل، دون تعلم قواعد أو التحاق بدورات.

منذ تاريخ دخولي لعالم الخط العربي وأنا أطور من نفسي باستمرار، لم أتوقف عن النيل من بحر العلم، أميل الآن لكتابة الجمل الطويلة، لأنها تسهم في تطوير مستوى خطي. "الحق أحق أن يتبع" الجملة التي يميل قلبي إليها برغم كل ما كتبت من نصوص، وسورة المطففين أيضًا خططتها في بداياتي وإذ بالأستاذ يأخذ دفتري ويريه لزملائي في الدورة.

بعد كل هذا الجهد في التعلم وتنمية الموهبة الكامنة، أردت أن أرقى بأحلامي أكثر، وأن افتتح مشروع برفقة أخي، خاص بالفن والخط العربي، وجهزنا بالفعل، ونفذنا اللوحات الإعلانية، ولكن سوء الأوضاع الاقتصادية، والحصار وعدم توفر المواد، والقصف الشديد، حال بيننا وبين أحلامنا كما فعلت الحرب في كل مرة، توقف المشروع قبل أن يرى النور، وهجرت من مدينتي إثر القصف الشديد أنا وابنتي الرضيعة.

أرى نفسي الآن في ابنتي صاحبة الأربع سنوات ونصف التي بدأت تقلدني وتكتب حروف النسخ بجمالية على لوحها الصغير، أسعد حين أراها تخط بيديها الصغيرتين. آمل أن أحصل قريبًا على الإجازة المكتوبة بخطي النسخ والثلث. إضافة إلى إنشاء معرضي الخاص للوحات الخط العربي وكتابة مصحف بخط يدي.