الثلاثاء 16 مايو
شو رأيك يا شذا نعمل مبادرة لنساعد الناس؟ يلا بينا نبدا نجمع مسابح من بيوتنا ونوزعها على الكبار لناخد الأجر". كان عمري ١٧ عامًا حين فكرت أن أنفذ مبادرة لمساعدة الناس المحتاجين، لطالما شعرت بمسؤولية كبيرة تجاههم، وها أنا رفقة صديقتي نتوسع في خدمتهم، مرت عشر سنوات وأنا أكبر بحب هؤلاء الناس، دعوة صادقة من رجل مسن تكفيني، فرحة طفب بملابس جديدة تعيدني طفلة في العاشرة من عمرها.
كنت طفلة محبة للعمل الجماعي، يحبني الوسط التي أقطن فيه، تشكلت لدي فكرة العمل التطوعي منذ الطفولة، عكفت في العيد على جمع المال وشراء الهدايا لأطفال الحي في قريتي، فشعرت حينها وما زلت بشعورًا لا يضاهيه أي شعور بالعالم.
أنا آلاء الديك من قرية تسمى كفر الديك في محافظة سلفيت، مقيمة في مدينة نابلس، حاصلة على ماجستير في الاتصال والدراسات الإعلامية من جامعة شرق البحر الأبيض المتوسط في قبرص. أعمل الأن في إدارة مواقع التواصل الاجتماعي لشركة نصار للعقارات، وناشطة اجتماعية فيما يخص الأعمال التطوعية والإنسانية، ومتطوعة في مؤسسة إنجاز.
انتقلت إلى مدينة نابلس وتعرفت هناك إلى رفيقة العمل الإنساني شذا، أشبهها وتشبهني، تناقشنا في كيف سنقدم المساعدة للناس، كلها كانت أفكارًا وأحلامًا نأمل أن تتحقق حتى جاء ذلك اليوم في رمضان ذهبنا خلسة إلى البلدة القديمة في نابلس وجمعنا مسابح من بيوتنا وقمنا بتوزيعها على كبار السن هناك، في ذاك الوقت كان عمري سبعة عشر سنة، قمنا بكسر مخاوفنا في الحديث مع الناس وسؤالهم والتواصل معهم. فيما بعد استخدمنا وسائل التواصل الاجتماعي لجمع ملابس مستخدمة وقمنا بفرزها وجمعها وتوزيعها على العائلات المحتاجة في نابلس التي توصلنا إليها من خلال جولاتنا في البلد القديمة والسؤال عنهم.
كان توزيع الملابس أول عمل نقوم به، ومن ثم انطلقنا بقوة كبيرة أنا وصديقتي بشكل فردي، ندعم بعضنا بعضًا بكل فكرة، لولا يد صديقتي لما رأينا هذا الخير كله يدخل بيوت الناس بمشيئة الله، كان الموضوع عشوائيًا في البداية لكننا استطعنا وحاولنا أن ننظمه، فشكلنا قائمة من أسماء العوائل المستورة، بأرقامهم وعناوينهم، وقمنا بزيارات لهم والتأكد من أحوالهم، وبدأنا استخدام تطبيق "الفيسبوك" لجمع التبرعات لهم، وبعد ذلك شكل لنا جمهور يثق بنا ويدعمنا، فقمنا بحملات كبيرة تشمل مواد تموينه، وملابس، وأقساط جامعية، وفعاليات للأيتام في رمضان، ومساعدات مختلفة وهذا بفضل الله وفضل المتبرعين الذين وثقوا بنا.
هذا العمل شكلني بشكل كبير ، لقد هذبني وجعلني أكثر عطاء، فكنت أعتبر الإنسان الذي نساعده هو فرد من عائلتي، ووجب علي مساعدته بأي طريقة، وهذا كان يشكل علي ضغطًا نفسيًا، خاصة عندما لا أستطيع تقديم المساعدة في أغلب الأحيان، وإلى الأن أنا على علاقة جيدة مع أغلب العائلات نتواصل سويًا، وبنيت ذاكرة جميلة مع هذه العائلات.
وفي موقف أستحضره الآن أثر بي كثيرًا، حيث كنت أزور مسنّين، لا يوجد معيل لهما، وكانوا يعتبراني ابنتهما، نقدم لهما المتوفر من المساعدات، وحصل بعد ذلك أنني سافرت لإكمال تعليمي، فظلت المرأة المسنة تتصل في عائلتي لتطمئن علي من خلالهم، وتنتظرني بفارغ الصبر، ولكن حال الموت من دون لقاء آخر، وأذكر أيضًا رجلًا مسنًا طلب المساعدة وتوفرت له، فحينها بكى ويعتبرني مثل ابنته، يزورني كل فترة ليطمئن علي، ولا أنسى أيضًا ردة فعل أطفال يسكنون في الخيام، حيث توفرت لهم أحذية وملابس لهم فكانت فرحتهم كبيرة جدًا بمشهد يجعلني ممتنة دائمًا للناس اللذين يساعدون بشكل مستمر.
والكثير من المواقف والأدعية التي تسعدني وتطمئن قلبي، دائمًا كنت أتحفظ على ذكر اسمي وأن أقدم المساعدة باسم أهل الخير، لأسباب كثيرة، وحين يبدؤون بالدعاء لي أذكرهم بالدعاء لمن تبرع لهم بنية فرج الهموم وجبر الخواطر، فأدعيتهم كانت طوق نجاة لكل من تبرع.
وفي محاولات كثيرة لتطوير العمل، قمنا بجمع فريق تطوعي أطلقنا عليه "الخير يجمعنا" نستعين بالمتطوعين في الحملات الكبيرة التي ننظمها في رمضان من إفطارات رمضانية وتوزيع مواد غذائية وغيرها، وإلى آلان لا نتردد بطلب المتطوعين حين نشعر أن العمل فاق قدرتنا على السيطرة عليه. وفي هذا الجزء كانت تسعدني فرحة المتطوعين التي حصلوا عليها بسبب عطائهم، لهذا أحب مشاركة الأعمال التطوعية مع الغير ليتذوقوا لذة العطاء وأثره في النفس البشرية.
كل هذا الجهد خلال عشر سنوات لم يكن بالسهولة، كنا ندفع ثمنه الكثير من التعب النفسي خاصة عندما لا نستطيع توفير المساعدة، كما أن هذه المشكلة التي تكاد أن تكون الوحيدة في هذا العمل، هو أننا ليس لدينا مصدر ثابت يدفعنا لتغطية كل العائلات التي نعرفها، ولا يخلو الأمر من بعض الصعوبات مثل الوصول لأماكن معينة في ظل انشغالنا في العمل، لكن كل هذه الأمور نجد لها حلًا مباشرًا.
أنا أؤمن بالآية الكريمة "وما جزاء الإحسان إلا الإحسان" وكنت طوال العمل التطوعي ألتمس هذه الآية في حياتي، فلم أكن أقدم إحسانًا إلا ويأتني خير منه، والعمل التطوعي أدخل على حياتي الكثير من الرضى والتيسير، فالآن أعتبر هذا الشيء واجب علي ويجب تقديمه في كل حالاتي. ومن أحلامي أن يكون لنا جمعية كبيرة تسمى الخير يجمعنا، تكون بيتًا ثانيًا لمن لا بيت له.
أأمل أن تتغير الصور النمطية التي يتصورها العالم عن الفقراء بأنهم يرتدون ملابس ممزقة، ويأكلون بواقي الطعام وغير ذلك، فمن الممكن جدًا أن تكون في يوم ما من أغنياء الناس وفجأة تمر بظروف تدعك تطلب المساعدة، لذا لا تنظر إلى المظهر بل التعمق وسؤال أكثر من مصدر هو الذي سيوصلك لمن يحتاجون المساعدة.