الثلاثاء 16 مايو
"ما في إشي زي فرحة النجاح بالتوجيهي وبعيشها الإنسان مرة أما أنا بعيشها كل مرة ابني أو بنتي بنجحوا بامتحان القرآن، وبتخطوا مرحلة جديدة بتفوق". أنا تسنيم ناصر الدين الشاعر، من نابلس، عمري ٣٧ عامًا أم لثلاث بنات وولد اسمه يزن، وهو أكبرهم. محاضرة لغة انجليزية في جامعة النجاح الوطنية منذ عدة سنوات.
تربيت بعيدًا عن الوطن حيث عشت فترة طويلة في المملكة المتحدة، وعندما عدت إلى الوطن كنت قد كبرت، وكأنه فاتني قطار حفظ القرآن، فلم يتسنَ لي حفظه، كما حصل مع أخواتي الأصغر مني اللواتي كن صغيرات وتمكن من الالتحاق بدورات حفظ القرآن، لذلك اتخذت من وقتها قرارًا أن ما فاتني لن يفوت أبنائي، وبيّت النية مع الله أن يكونوا من حفظة القرآن بإذن الله، وهذا ما اجتهد في تحقيقه اليوم.
بدأت رحلتي مع تحفيظ أبنائي للقرآن الكريم مع طفلي الأول يزن وكان حينها يبلغ من العمر ٦ سنوات، أذكر حينها أني كنت مترددة وأباه من إشراكه في دورة تحفيظ القرآن الكريم التابعة للجنة زكاة نابلس لصغر سنه، ولا أنكر أنها كانت خطوة صعبة بذلت فيها مع يزن جهدًا مضاعفًا في التحفيظ. كنت أحفظه ما يترتب عليه كلمة كلمة، يحفظ كلمتين وبعدها كلمتين وبعدها يحفظ الأربعة سويًا، وهكذا ما يمتد بنا لساعات حتى يتم حفظه.
الأصعب هو التحايل عليه وإقناعه وتحبيبه وترغيبه في الأمر فتبعًا لكونه كان صغيرًا يحب اللهو واللعب، كان لا بد من اتباع أساليب عديدة لتحبيبه في الأمر، ولا أنسى هنا دور دار التحفيظ ومشرفيها في التأثير وتحبيبه في الأمر.
كل التعب كان يهون عندما كان يأتيني حاملًا العلامات الكاملة في حفظه، فمنذ أن بدأ في حفظ القرآن ولليوم وهو الأول بين أقرانه وحتى في المسابقات التي يشارك فيها في عدة أجزاء يكون الأول، وفي كل مرة يأتيني بالمركز الأول أشعر أنه الأول على الوطن في امتحان الثانوية العامة فكل الامهات يرغبن في الثانوية العامة ليكون أبناؤهم من الأوائل ولا تسعهن الفرحة إذا ما تحقق الأمر وهذا ما أعيشه كل مرة مع يزن في كل مرة بفضل الله والذي يبلغ اليوم من العمر ١٣ عامًا ويحفظ من القرآن ٢٣ جزءًا.
بعد يزن بعامين جاء دور ابنتي نور لتلحق بركب القرآن، حيث التحقت بدورات التحفيظ حين كانت تبلغ من العمر ٨ أعوام، وهو ما سهل علي أكثر عملية تحفيظها تبعًا لسنها مقارنة بتجربة أخيها يزن، ولكن تتميز نور بأنها تحفظ القرآن مع الأحكام فهي اليوم ابنة ال ١٠ أعوام تحفظ ٦ أجزاء بإتقان كامل للأحكام بفضل الله ثم مشرفتها التي تقرأ عليهم المواضع بتجويد كامل.
عقبات عديدة تواجهني في تحفيظهم، فأنا أعمل محاضرة كما ذكرت ولدي أعباء اجتماعية ومنزلية أيضًا، والتوفيق بين كل هذه الأعمال صعب جدًا خصوصًا في أوقات زيارة العائلة حيث تتضارب أحيانًا مع موعد دورة القرآن أو في لحظة فتور وتعب من الطفل، ولكن بعون الله وفضله استطعت أن أضعهم على أول الطريق واليوم يديرون أمورهم بأنفسهم من تنظيم للوقت والحفظ بشكل ذاتي.
هدفي أولًا وأخيرًا من تحفيظ القرآن التربية وغرس القيم وتحصين الطفل من فتن الحياة أكثر من حفظ الكلمات وترتيلها بالنسبة لي، فأنا أربي أبنائي من خلال تحفيظهم للقرآن، إضافة إلى دمجهم في مجتمع صالح يقيهم من الفتن المنتشرة وصحبة السوء بعون الله. أنتظر اليوم بفارغ الصبر تلك اللحظة التي سيأتيني فيها يزن ومن بعده نور يحملان شهادة حفظ القرآن كاملًا فهمًا وحفظًا، دائمًا أحضرهم لتلك اللحظه وأراها في اليقظة والأحلام راجية أن يحققها الله لي.