الثلاثاء 16 مايو
لمن سيذهب زر المتابعة/ Follow، لا يمكن الحديث عن منصات السوشيال ميديا بشكل عام وانستغرام على وجه الخصوص دون العبور من ساحة "المؤثرين/ Influencers"، ليس فقط لقدرتهم على إدارة دفّة المحتوى الرقمي بصورة أو بأخرى، لكن كذلك لكونهم النموذج المثالي لمنتجات السوشيال ميديا في صورتها الإنسانية، المنصات المفتوحة المحررة من أي معايير تقليدية للانتشار أو التأثير أنتجت في نهاية المطاف "نخبتها/ مؤثريها" وِفق قواعد جديدة.
أحد أهم أركانها "زر المتابعة" الذي يمنحه المستخدمين لبعضٍ منهم. فالشخصية الاعتبارية لكل مؤثر مبدأها الأول زر المتابعة، ومن ثمّ فالانتباه لعملية اختيار المتابعة تلك لا تعني فقط تحديد نوعية المحتوى وكفاءته وجودته، ولكن بصورة أكبر تساهم في تحديد المعطيات والأفكار والتصورات التي نتعرض لها يوميًا على الشبكات الاجتماعية، لا سيما في ظل واقع الخوارزميات وما تؤدي إليه من انغلاق المحتوى على ترشيحات بعينها.
في مقاله الأخير "الإنسان والشيء"، قبل سطوع نجم السوشيال ميديا، أشار الدكتور عبد الوهاب المسيري إلى واقع فرضته الشاشة التلفزيونية بهذا التمجيد المريب لـ"الحكمة" المأخوذة من النجمات السينمائيات والترويج بحفاوة مبالغ فيها لتجاربهم الذاتية ورؤيتهم "الفلسفية" للعلاقات الإنسانية، والتعامل مع خبراتهم المحدودة باعتبارها مرجعية نهائية وحكمة مكافئة لحكمة أعمق الفلاسفة والمفكرين!
يرى المسيري أن الاعتماد على هذا النموذج المعرفي كمصدر لتحديد القيمي والأخلاقي يُنتج "حكمة لها طابعها الخاص الذي لا يمكن أن يُوصف بالروحانية أو الأخلاقية أو ما شابه من أوصاف تقليدية عتيقة!"، فضلًا عن الدور الذي تلعبه تلك الأقوال والأفكار في إعادة صياغة رؤية الإنسان لنفسه وتَصوُّره لذاته وللكون بشكل غير واع، ربما من جانب القائل والمتلقي معًا.
هل يمكن هنا عقد مقاربة منطقية وموضوعية جدًا بين ما طرحه المسيري من واقع "النجمات السينمائيات" وواقع بعض "فاشونيستات إنستغرام"! المقاربة ممكنة، والمقصد نهايةً في الحالين أنه لا شيء يمرّ عبثًا، ما نراه يوميًا ونسمعه دوريًا سنتفاعل معه حتمًا بصورة مباشرة أو غير مباشرة.