بنفسج

الفشل كريم.. أحيانًا

الثلاثاء 16 مايو

فنرجو أن يكون فشلنا وفشلكم هو فشل كريم من هذا النوع من البلاء الذى يمتحن النفوس، ويفجر فيها الخير والحكمة والنور، وليس فشل النفوس المظلمة التى لا حظ لها ولا قدرة على حب أو عطاء. ونفوسنا قد تخفى أشياء تغيب عنّا نحن أصحابها. وقد لا تنسجم امرأة ورجل لأن نفسيهما مثل الماء والزيت متنافرتان بالطبيعة، ولو كانا مثل الماء والسكر لذابا وامتزجا، ولو كانا مثل العطر والزيت لذابا وامتزجا، والمشكلة أن يصادف الرجل المناسب المرأة المناسبة، وذلك هو الحب فى كلمة واحدة "التناســـب".

وقد يمتحن الله الرجال الأبرار بالنساء الشريرات أو العكس، وذلك باب آخر له حكمته و أسراره. وقد سلّط الله المجرمين والقتلة على أنبيائه، وامتحن أيوب بالمرض، ويوسف بالفتنة، وموسي بالفراعين الغلاظ، وبالزوجات الخائنات نوحاً ولوطاً. وأسرار الفشل والتوفيق عند الله، وليس كل فشل نقمة من الله. وقد قطع الملك هيرودوس رأس النبى يوحنا المعمدان وقدمها مهراً لِبَغىّ عاهرة، ولم يكن هذا انتقاصاً من قدر يوحنا عند الله، وإنما هو البلاء.

فنرجو أن يكون فشلنا وفشلكم هو فشل كريم من هذا النوع من البلاء الذى يمتحن النفوس، ويفجر فيها الخير والحكمة والنور، وليس فشل النفوس المظلمة التى لا حظ لها ولا قدرة على حب أو عطاء. ونفوسنا قد تخفى أشياء تغيب عنّا نحن أصحابها. وقد لا تنسجم امرأة ورجل لأن نفسيهما مثل الماء والزيت متنافرتان بالطبيعة، ولو كانا مثل الماء والسكر لذابا وامتزجا، ولو كانا مثل العطر والزيت لذابا وامتزجا، والمشكلة أن يصادف الرجل المناسب المرأة المناسبة، وذلك هو الحب فى كلمة واحدة "التناســـب".

تناسب النفوس و الطبائع قبل تناسب الأجسام والأعمار والثقافات. وقد يطغى عامل الخير حتى على عامل التناسب، فنرى الرسول محمداً عليه الصلاة والسلام يتزوج بمن تكبره بخمسة وعشرين عاماً، ويتزوج بمن تصغره بأربعين عاماً فتحبه الاثنتان خديجة وعائشة كل الحب، ولا تناسب فى العمر ولا فى الثقافة بينهما، فهو النبى الذى يوحى إليه وهما من عامة الناس.

ونراه يتزوج باليهودية صفية صبيحة اليوم الذى قتل فيه جيشه زوجها وأباها وأخاها وشباب قومها وزهرة رجالهم واحداً واحداً على النطع فى خيبر، ويتزوجها بعد هذه المذبحة، فنراها تأوى إلى بيته وتسلم له قلبها مشغوفةً مؤمنةً، ولم تكد دماء قومها تجف. فكيف حدث هذا ولا تناسب وإنما أحقاد وأضغان وثارات.

إنه الخير والخلق الأسمى فى نفس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هو الذى قهر الظلمة وهو الذى حقق المعجزة دون شروط. إنه النور الذى خرج من مشكاة هذا القلب المعجز، فصنع السحر وأسر القلوب وطوَّع النفوس حتى مع الفوارق الظاهرة وعدم التناسب ومع الأضغان والأحقاد والثارات .. إنما نتكلم نحن العاديين عن التناسب.

أما فى مستوى الأنبياء فذلك مستوى الخوارق و المعجزات.. وما زالت القلوب الخيّرة، والنفوس الكاملة التى لها حظ من هذا المستوى قادرة على بلوغ الحب وتحقيق الإنسجام فى بيوتها برغم الفروق الظاهرة في السن والثقافة.

ذلك أن الحب الذى هو تناسب وانسجام بالنسبة لنا نحن العاديين، هو فى المستوى الأعلى من البشر نفحة وهِبة إلهية. ومن ذا الذى يستطيع أن يقيد على الله نفحاته أو يشترط عليه فى هباته، وإذا شاء الله أن يرحم أحداً فمن ذا الذى يستطيع أن يمنع رحمته. والحب سر من أعمق أسرار رحمتــه، ولا ينتهى فى الحـــب كــلام.