الثلاثاء 16 مايو
لن يشعر أغلب الناس بتلك المشاعر إلا من عاشها أو من فهمها وأستوعبها؛ معاناة الأمهات، الأكثرية ستدهش، وتصرخ، (أحمدي ربك غيرك مش لاقي) وكأننا نشتكى من أبنائنا أنفسهم، وكأننا ناقمون على وجودهم في حياتنا، وكأننا نقول أن الأمومة شيء سيء يضايقنا ولا نتمناه، هؤلاء بمنتهى الأسف يزيدون الأمر سوءًا. ليس هذا فحسب، بل ويجعلوننا نلوم أنفسنا على مشاعر شعرنا بها في لحظة ضعف لينتهي بنا الأمر ببكاء وانهيار.
لن يفهم هؤلاء أننا "نفضفض" عما ما بداخلنا من مشاعر عن المسؤولية نفسها، كم هو مرهق نفسيًا أن نظل في توتر دائم وقلق على فلذات أكبادنا، قلق ليس بأيدينا، قلق نحبه ولا نتمنى أبدًا أن يختفي، ولكنه فقط مرهق، نصرح بذلك فتنقلب الدنيا رأسًا على عقب، ونرى نظرات اللوم.
لن يفهموا أبدًا معنى أن شخصًا هادئًا أصبح على أعصابه طوال الوقت، هم يرون فقط أنه أصبح عصبيًا وذلك شيء خطأ، لن يفهموا البركان الثائر داخل هذا الشخص على ما أصبح عليه ويحاول أن يعود هادئًا، ولكن الضغوط تعيده مرة أخرى ويعود ليحاول مرة أخرى.
كم هو مرهق نفسيًا أن نحاول مرة وأخرى في تربيتهم، نبكي على رد فعل مبالغ فيه على حمق صغير ارتكبوه، نحتضنهم ونعتذر لهم سواء باللسان أو بالقلب، مرهق أن نكون مسؤولين عن كل تفصيلة نعلمهم إياها، كيف يأكلون كيف يلبسون كيف يتحدثون، نعلمهم دينهم ودنياهم، الأخلاق، القراءة، الكتابة، طريقة الكلام المهذبة، وأي هفوة تصدر منا ويقلدوننا فيها نلوم أنفسنا عليها ونحاول إصلاحها، فنحن نربي أنفسنا أثناء تربيتنا لهم.
تقول إحدى الصديقات: "أنا مش أم بس من اللي بشوفوا أدامي إن أغلب الناس بيحاولوا يدوا نصايح زيادة عن اللزوم للأم، لدرجة إن هي فعلًا ممكن طاقتها تخلص من مجرد نصيحة عابرة".
رأيي إن لازم نحاول منديش الأم نصيحة غير لو طلبتها، أو لو حاجة فعلًا كبيرة وتستاهل نلفت نظرها ليها، هي طبيعي أم لأول مره هتفضل تتعلم مع طفلها لوحدها التربية، والاهتمام بيه والمعاملة وكل واحده بتكون عايزة تربي ولادها. لكن أكتر شيء مستفز الناس بتعمله إنها تعلق ع كل صغيرة وكبيرة تخص الطفل وطريقة معاملتها معاه ساعات التعليقات بتوصل لطريقة لعبها معاه؟".
وتقول سيدة من جروب فيس بوك: "طول الوقت أوامر وتنظير في صورة نصيحة لأن أصلًا ساعات بتبقي أوامر بنفس الحاجة اللي إنتي أصلًا بتعمليها بس لازم تتقال، ويبقي إحنا اللي قلنالك. أو افطمي امتى، ومتفطميش امتى، وليه تدخلو مدارس معينة. أنا ولادي وهما أد ولادك كانو بيعملوا ويسووا حتى، في لبس العيال: لا متلبسيش كت ف شهر ٨ كدة هيعيوا. وتقولي للعيل عيب أو غلط، تبقي ازاي كدة بتخنقي العيال، ولو سكتي على غلطة تكوني هبله وفوتي تبقي إزاي مدلعاه وكدة مش هيتربي".
كم هو مرهق نفسيًا أن نظل نفكر في كل تفاصيلهم، ونفرح بها أحيانًا أكثر منهم، ونوثق أول مرة في كل شيء في حياتهم، أول مرة مشى، أول مرة مدرسة، أول سنة تسقط، أول سنة تظهر، أول ضحكة، أول كلمة يكتبونها، تفاصيل كثيرة كثيرة، نحبها وتظل في ذاكرتنا إلى الأبد. كل هذه الأشياء تستنزفنا، نشعر فقط أننا نريد حضنا، أو كلمة طيبة تشعرنا بمشاعر طيبة، فقط نريد شحن طاقاتنا لنكمل، لنستطيع أن نربيهم أحسن ما نستطيع بمعية الله وأمره، لأننا بدونه سبحانه وتعالى لن نقدر. الأمومة مرهقة جدًا، سواء اعترفنا بذلك أم لم نعترف، ولكنه الإرهاق الذي نتمني ألا يزول أبدًا.