الثلاثاء 16 مايو
كنت معتبرة إلي بصير معي إشي عادي ومتعايشه معه تمامًا، وقوعي على وجهي وتمزق ملابسي بشكل مستمر كان أمرًا استطعت التعايش معه، أسقط وأنهض وانتهى، بس هذاك اليوم كان أصعب يوم بحياتي، كانت الدنيا مطر والشوارع غرقانه مي ووقعت وغرقت معها، رحت المدرسة حرفيًا وملابسي وشعري بنقطوا مي، ومع هيك كملت اليوم زي كل يوم والحمد لله.
أنا زينب شعابنة ٢١ عامًا، كان عندي طفولة جميلة جدًا وحلوة وما كنت أقعد، وكنت حتى مغرورة بنفسي، وأظل من بيت لبيت ومن لعبه للعبة، لحد ما بلشت اعرج وكنت في السادسة من عمري تقريبًا، بالنسبة لي أكملت الأيام كما كانت لكن أمي وأبي بدأوا ينتبهون ويسألوني "إنت ليش بتعرجي؟"، وبسبب كرهي الشديد للأطباء والمستشفيات قلت لهم إني سقطت، لاكمل اللعب دون توقف، ولكن الموضوع أخذ بالتطور للأسوء حيث صرت أسقط باستمرار وعلى وجهي بالتحديد، وهنا أخذني أهلي للطبيب.
"بنتكم معها ضمور بالعضلات، ما في أي علاج ممكن يفيد، رح يزداد الامر مع العمر ..". لم يصدق أهلي الطبيب، أنكروا بشدة ما قاله وبدأت رحلة العذاب مع الأطباء والمستشفيات ليتفقوا جميعًا على ما قاله الطبيب الأول. كان وجه أبي عندما أخذ النتيجة النهائية، بعد خزعة دقيقة لا مجال للشك فيها، لا يُفسر. أما أمي فظلت تبكي لأيام وليالٍ دون توقف، أصبحت حزينة جدًا.
كنت صغيرة وعائلتي فضلت عدم البوح لي بأي شيء بالتفصيل، وعندما يسألوني صديقاتي في المدرسة لماذا تسقطين باستمرار أقول بابتسامة "لا أدري، أسقط وحسب ..". وحقًا، كنت لا أبالي، وكان سقوطي المستمر أمرًا استطعت التعايش معه رغم نشاطي وحبي للحركة والتنقل. كان ذهابي للمدرسة في البداية سهلًا لقربها من المنزل، ولكن في الثانوية أصبح الأمر صعبًا للغاية، لأن المدرسة بعيدة عن بيتنا، ولم يكن من المستطاع في البداية تخصيص سيارة لنقلي أو حتى الاستعانة بالمواصلات العامة.
كانت الطريق من بيتنا إلى المدرسة تحتاج ١٠ دقائق، أما أنا فكانت تستمر معي حتى ٣٥ دقيقة على الأقل، ومع ذلك لم أتوانَ لحظة عن ترك المدرسة أو أفكر في تغيرها وزاد من عزمي دعم والدّي فلا أنسى ان أبي علم أمي السياقة خصوصا لتسهيل حركتي.
صديقتي أمل، صديقة الطفولة كانت الشخص الذي يساعدني على النهوض دومًا كون سقوطي لا يعني النهوض بالشكل الطبيعي مثل بقية الناس، بل يجب أخذ وضعية معينة، وهي الوحيدة القادرة على ذلك، كانت متكأي في الطريق كل يوم، وصديقتي الصدوقة حتى اليوم إلى جانب صديقات الدراسة الأخريات اللواتي كن مقال يحتذى به في التعاون والاخاء.
عندما كنت أسقط وتزداد مرات السقوط لم أكن أخبر أهلي أبدًا، كما كنت أوصي زميلاتي في المدرسة بذلك، لأنهم كانوا حزينين بما يكفي، ولا أنكر أني كنت أريد البكاء أحيانًا، ولكن كنت أتحاشا ذلك أمامهم ويخبئني الليل، ووسادتي، فأبكي براحتي دون أن أظهر ذلك لهم.
في نهاية المرحلة الثانوية، عرضت علي المرشدة الاجتماعية في المدرسة كرسيًا متحركًا، وددت لحظتها لو تنشق الأرض وتبتلعني، شعرت أن نار الغضب ستخرج من رأسي، تمالكت أعصابي ورفضت، ولكن بعد ضغط من أهلي والمجتمع المحيط بي استسلمت لها، ولا أنكر أنها ساعدتني كثيرًا رغم ثقلها في البداية على نفسي.
أكملت المدرسة حتى التوجيهي الذي حصلت فيه على معدل ٨٥%، وقتها بدأ يتوجه الكلام لزينب من كل مكان "خلص بكفي لهون، ما في داعي تكملي جامعة، ومش كل الناس بتكمل جامعة، كل اللي بوضعك بوقفوا عند التوجيهي وهاد إذا وصلوه ..."، وغيرها من العبارات. حاولت التوقف قليلًا، تخيلت شكل حياتي وكيف سيكون، وجدت نفسي بين أربعة جدران بلا مستقبل، ولا طموح، ولا أهداف، ولا حياة اجتماعية، وهنا قلت هل هذه هي الحياة حقًا؟!
وبدأت فكرة بيرزيت تطرق عقلي، ولكن كما هو شبه مستحيل أن أصل القمر، كان ذات الشيء بالنسبة لبيرزيت التي لم يسبق لأحد من أسرتي الدخول إليها. بسبب التكاليف العالية في الوضع الطبيعي، فكيف سيكون الحال معي. ولكن، وكما يُقال على قدر حلمك تتسع الارض الذي اقترب أكثر في ظل دعم والدي لي وسعيه لدخول الجامعة وتحقيق أحلامي.
وبدأت بالتحديات تلو الآخر الوصول للجامعة والتنقل داخلها، تدبر أمر القسط والمواصلات ومواجهة الناس التي تنظر لي كفتاة على كرسي متحرك، في حين أني زينب العنيدة المتمردة الطموحة. وها أنا اليوم في السنة الرابعة لتخصص هندسة الحاسوب، وأتمنى أن اجوب العالم وألهمه من تجربتي.
وبالنهاية، الضمور الحقيقي ليس بالعضلات، هو بالقلب والعقل، والتفكير المحدود. بالتأكيد كانت رحلتي صعبة، ومليئة بالتحديات، على الصعيد النفسي والعائلي والمجتمعي، لكن كنت أقوى منها جميعًا بإصراري عزيمتي وثقتي بالله، وأني كنت شخصًا فاعلًا في المجتمع.