الثلاثاء 16 مايو
الأمومة هي ضربة قوية في القلب، تطحنه، يلملم القلب أشلائه وينهض، لكن لا يلتئم أبدًا، في اللحظة المروعة التي نصبح فيها أمهات، نكتشف إننا سقطنا في فاجعة، فاجعة أن نكون في المنتصف، في زمن مشقوق، مشقوق عن طفل صغير غض طري قد انزلق للتو من أرحامنا صارخًا طالبًا التقام الثدي كي يشعر أنه عاد من حيث أتي، وشق آخر فيه طفل آخر، هو نحن، ينظر بذهول لقطعة اللحم التي سقطت في أحضاننا فجأة، نستعيد كل حدث مروع مر بنا، ونعلم أنه ليس بالإمكان أن نعود لحيث جئنا ولا حتى أن نصرخ ونطالب بالعودة، ونسأل.. ماذا سأفعل بك يا صغيري؟
صغيران يمسكان بيد بعضهما، أحدهما مجروح بجراح الطفولة، وآخر لم يجرح بعد، يلتاذ الطفل المجروح، بالطفل الجديد، يسيران والطفل الجديد لا يرى الطفل القديم إلا بعين الأمومة، أنتِ أمي، الكبيرة التي تعرف تمامًا ما تفعل، غير عالم بحقيقة الطفل الذي في القعر، يبكي كل شيء.
لن يعرف الرجال، حتى أكثر الرجال حكمة ما الذي يعنيه أن تكون أمًا، الأبوة خارجية للخارج للخارج، الأمومة داخلية استبطان داخلي، بالمجاز والحرف، الأم أم بالحَشَى، أم بالأعضاء، أم بالرضاع، أم باللحم والدم، ألاّ يعرف الرجال معنى أن تكون أمًا شيء يميزهم، فبغياب الأمومة عن عوالمهم يغيب الآخر وتتسع العوالم ل "أنا" هم، أما الأمومة للمرأة تعني الحضور، حضور الطفل والحَشَى في كل شيء، وغياب الأنا والذات وتواريها، أدخل فصل الدكتوراه مع ابني مجازًا، شمس لا تغيب، شمس حارقة ساطعة تذكرني دائمًا لست وحدك، أحاول أن أقول، فيبدو كل شيء باهتًا، ليس بعد الأمومة من تجربة ساحقة، لقد عرفت معنى الموت والميلاد.
اقرأ كتابًا باهرًا، فيحضر طفلي في كل صفحة حتى لو لم يجاورني، أعجز عن إقامة حوار مع كتاب وكاتبه، هناك شيء في عقلبي حاضر، لست وحيدة مع ذاتي بعد الآن، وألا أكون وحيدة يعني أن أخاف، وأن أخاف يعني أن تتواري الكتابة خلف الآخر، الآخر الذي هو آخر بالمعني، وأنا بالمجاز، أن أكون عاجزة عن كتابة معنى الأمومة بشكل حقيقي أي بشكل حر، غير خائف.
لن يعرف العالم ما الذي تعنيه الأمومة، كتجربة ذاتية، وكتجربة وجودية، كتجربة إنسانية، لأن الرجال لن يخوضوا هذه التجربة، ولأن النساء اللواتي خضن هذه التجربة يصبحن عاجزات عن الكتابة عن معانيها، ينشق الجسد، وتنشق الذات، ينشق الزمن، كيف تكتب أو تعبر ذات منشقة عن شيء ما؟
تنشق أجسادنا، لنلد طفلًا، في عالم لا يعرف الأمومة ولا الأمهات، بل يحتقرها، عالم يحتاج أن نعرف فيه أنفسنا حتى لا يجرفنا الزيف لعوالم مؤذية، عالم لا يمكن للأمهات أن يعشن فيه بشكل صحي بدون أن يعرفن قيمتهن برسوخ، بلا انتظار لاعتراف أو تقدير، تقول صديقتي كيف أعيش في عالم لا يقدرني؟ أقول التقدير جميل، لكن ما الحاجة للتقدير وأنت قد خضت تجربة مهولة ما حاجتي لأي اعتراف من شخص لم يجرب معجزة الانشقاق، ما حاجاتي لأي شيء أمام هذه المعجزة، أمام هذا الهول؟