بنفسج

قصتي.. دنيا إسلام عمر

الثلاثاء 16 مايو

فين شعري راح فين"، تسير بخفة وهي مغمضة العينين، خرجت من غرفتنا وإذا بها ترى نفسها في المرآة، نظرت نظرة ثم مشت، ثم عادت تقف لتنظر لنفسها وتستوعب الأمر، تصرخ بأعلى صوتها "ماما فين شعري؟". طفلة في السنة الرابعة من العمر تسألني سؤال أعلم إجابته، ولكن لم أقو وقتها على النطق وأقول: "إنه مرض السرطان". أنظر إليها فقط وكأني فقدت النطق للتو، أسعف زوجي الموقف وقال: "دينا سيلين بتسألك"، لم يكن يعرف ماذا يرّد هو وأنا أيضًا، فتداركت الأمر وقلت: "وقع يا حبيبتي عشان ما بتاكليش كويس ومبترضيش تاخدي الأدوية". وعقدت معها اتفاقًا سريعًا بأنه من الضروري أن تستجيب للأدوية، ومع الوقت تقبلت الأمر.

فين شعري راح فين"، تسير بخفة وهي مغمضة العينين، خرجت من غرفتنا وإذا بها ترى نفسها في المرآة، نظرت نظرة ثم مشت، ثم عادت تقف لتنظر لنفسها وتستوعب الأمر، تصرخ بأعلى صوتها "ماما فين شعري؟". طفلة في السنة الرابعة من العمر تسألني سؤال أعلم إجابته، ولكن لم أقو وقتها على النطق وأقول: "إنه مرض السرطان". أنظر إليها فقط وكأني فقدت النطق للتو، أسعف زوجي الموقف وقال: "دينا سيلين بتسألك"، لم يكن يعرف ماذا يرّد هو وأنا أيضًا، فتداركت الأمر وقلت: "وقع يا حبيبتي عشان ما بتاكليش كويس ومبترضيش تاخدي الأدوية". وعقدت معها اتفاقًا سريعًا بأنه من الضروري أن تستجيب للأدوية، ومع الوقت تقبلت الأمر.

أنا دينا إسلام عمر، كأي زوجة في الدنيا، كنت أنتظر مولودي الأول، كانت ولادتي بطفلتي البكر سيلين سهلة وكنت أثناءها في غربة، سارت حياتنا كأي عائلة، حتى انقلبت بالكامل حين علمت بإصابة سيلين بالكانسر، أصيبت سيلين بالإعياء فجأة، فذهبنا للطبيب وأجرينا التحاليل والفحوصات، وعلى أساس أنه ميكروب في المعدة.

في اليوم التالي، ذهبنا لطبيبها المعالج، رأى الفحوصات وقال لي: "احتمال زايدة". طلب أشعة أخرى، وفي أثناء إجراء الصورة قال لي مختص الأشعة: "مش زايدة"، وأثناء نطقه للجملة، سيلين المشاكسة ضربت يديه، فصعد الجهاز الفاحص نحو الكلى، وهنا بدأت ألاحظ أن ملامحه تغيرت وقال: "لا إله إلا الله"، وظل يسألني أسئلة أكدت لي أن ابنتي بها شيء.

كنت قلقة جدًا، "ما الذي يجري؟ أخبرني بهدوء وهو يهدأ من روعي أن سيلين لديها ورم في الكلى اليمين واليسار". لم أصدقه أبدًا، وظللت أردد "أنا بنتي كويسة جدًا". طلب مني أن أجري أشعة مقطعية بالصبغة، فذهبت لاستشارة أكبر جراح أطفال في مصر بالإسكندرية، وحجزت بالفعل للصورة المقطعية، وكانت النتيجة بأن ينتهي بي المطاف في مستشفى 57.

غادرت عيادة الطبيب وكأن قطعة من نار وُضعت في قلبي مباشرة، أخذت سيارتي، لم أدرِ كيف قدتها من الإسكندرية حتى القاهرة، كنت أبكي وكأني لم أعرف البكاء من قبل، كان بكاء مختلفًا من نوعه، يغرق المرء فيه حد الموت، اتصلت بزوجي الذي يعمل خارج مصر وقلت له ما جرى، فعاد في اليوم التالي.

ذهبت لمستشفى 57 لمرضى السرطان ووقفت أمامها أحاول استيعاب أني في هذا المكان، دخلت على مكتب الطبيبة، رأت الفحوصات وقالت: أنتِ معانا! لم أفهم معنى الكلمة، هل ابنتي فعلًا مريضة "كانسر".

فيما بعد توالت الصدمات عليَّ، دخلت للطبيبة، لم أرها طبيبة، كانت ملاكًا يخفف عني، ولكن أمر الله نافذ حين قالت: "هنبدا كيماوي النهارده". سألتها: "يعني إيه كيماوي؟ بنتي مش هتخف؟". خرجت من 57 ركضًا للشارع، ذهبت لزوجي وأنا منهارة أبكي وأصرخ، ولكن سرعان ما لملمت شتات نفسي، وفي اليوم التالي أخذت ابنتي وذهبنا للمستشفى لتأخذ أول جلسة كيماوي.

دخلوا علينا بكيس لونه أحمر تتواجد به جرعة الدواء، كرهت اللون الأحمر من يومها ولم أعد أطيق رؤيته، رمز الحب أصبح رمزًا للألم بالنسبة لي ولابنتي، حتى سيلين تصرخ كلما رأت شيئًا بلون أحمر. وبدأت رحلة العذاب لطفلتي، جلسات كيماوي وسخونة ومناعة ضعيفة، حتى وصلنا لمرحلة العملية، قال لي الجراح إن العملية ليست سهلة، ووقعت على إقرار لإجراء العملية، يفيد بأنه ستتم عملية استكشافية لمنطقة الحوض والبطن والغدد مع استئصال الكلى بالجهة اليسار بالكامل، وجزء من اليمين حسب الحالة، واستئصال الغدة الكظرية إذا ظهرت إصابتها.

نجحت العملية، وخرجت ابنتي سالمة منها، وتم استئصال الكلى بالجهة اليسار، وجزء من الكلى باليمين، بعدها جلسنا 14 يومًا في 57 كانت من أصعب الأيام في حياتي، لم أتجاوز أي شيء مر بنا، أحاول التخفيف عنها، وأخبرتها بماهية مرضها وأننا يجب أن نهزمه، أخبرها بأنها شجاعة وقوية وستقدر عليه.

لم يكن الأمر كله هيّن عليَّ أنا ووالدها، ولكن مستشفى 57 مكان جميل بمن فيه، يخففون عن الأطفال، يحبونهم، وكلهم سواسية، ويخففون عنا أيضًا، كانوا بمثابة داعم لنا في وسط هذا المعترك الصعب.
وجه القمر، كما يعني اسمها، انهارت حين سقط شعرها، فأخبرتها أن شعر الأبطال سيظهر فيما بعد، طفلة تحب الغناء واللعب والجري، تقفز من هنا لهناك ولكن المرض قاهر يقعدها في أوقات كثيرة.

من يوم 19 تموز/يوليو 2020 وأنا أبكي، ولكن القشة التي قصمت ظهري، حين دخلت على سيلين بعد العملية، فأدارت وجهها عني غضبًا، لأنني تركتها لوحدها في العناية المركزة، وفي مرة أخرى طلبت منها أن تأتي بالماء فأصبحت تصرخ وتبكي وتقول: "أنا تعبانة مش قادرة".
ترفض سيلين أن تأخذ علاجها في بعض الأحيان، فأقوم بخلطه مع عصير أو طعام، أما الكيماوي فأمهد لها قبل الجلسة بأيام، تحب الصغيرة الأرز والملوخية والبطاطس المحمرة، تأكلها بنهم، ولكن العلاج أنهك صحتها. كلي أمل أن تأكل ابنتي كل ما تحب دون تعب، وأن يشفيها الله شفاء كاملًا لا مرض بعده.

أخيرًا، أود القول بأن زوجي كان أكبر داعم لنا به أواصل المسير، بالرغم من أنه مضطر للمكوث خارج مصر بحكم عمله، ولكنه دائمًا معنا بقلبه ودعواته ودعمه، كما أوجه الشكر لمستشفى 57 بكل من فيها بلا استثناء. دعواتكم لابنتي أن يعفو الله عنها ويشفيها.