الثلاثاء 16 مايو
"انهار البرج " كيف يمكن لعبارة واحدة أن تهوي بالقلب فتصيبه في مقتل، كيف يمكن للحياة أن تُقلب في لحظة؟ كيف يمكن لصاروخ أن يدمر الأحلام والآمال ويحيي كثير من الذكريات؟ هذا بالفعل ما حدث قبل أيام قلال وبالتحديد في الخامس عشر من مايو والذي تزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية، لتضاف إلى النكبات والويلات نكبة جديدة لم ولن أنساها وكيف لي أن أنساها.
كيف يمكن نسيان ملايين الخطوات التي سرتها باتجاه الإذاعة؟ كيف يمكن نسيان كل الصباحات التي بدأتها بإرسال التحيات الصباحية للأسرى والأسيرات؟ كيف يمكن نسيان كل الدمعات التي شاركناها مع ذويهم؟! كيف يمكن للقلب أن ينسى لحظات انتظار الحرية والنصر لكل أسير وأسيرة؟ كيف يمكن أن أنسى لعثمات حروف صغارهم وصمود نسائهم؟! وكيف وكيف وكيف..؟
سنوات طويلة حملت في جعبتها الكثير من الأحداث والتفاصيل التي أصبحت في لحظة عبارة عن كومة من ذكريات، فلم يكن العمل في إذاعة صوت الأسرى يوماً مجرد عمل إذاعي بالنسبة لي فقط وإنما كان بيتًا قضيت فيه من الساعات أكثر من بيت جمعني بأهلي.
ولم يكن كذلك لي فقط وإنما أيضاً لزملائي وزميلاتي من شاركوني تلك اللحظات والذي أذكر آخر موقف جمعنا في أروقة الإذاعة في يومنا الأخير قبل الأحداث حينما اجتمعنا جميعاً في مكتبي متشاركين النقاش ليختم أحد الزملاء جلستنا قائلاً :" بحسك متل الإم بالإذاعة، متل الحجة يلي بتجمع الكل حواليها". لأستذكر الآن تلك العبارة وأتوق اشتياقًا لأداء دور الحجة.
"لينا هينا بمكتبك تعالي" هذه العبارة التي كانت ترددها صديقاتي كلما تواجدن بمكتبي الذي كان بالنسبة لهن مكتبًا وبيتًا جمع ضحكاتنا ونقاشاتنا وحتى مطبخنا الصغير. فكل ما عايشناه في الإذاعة أصبح الآن مجرد ذكرى نبكي عليها كثيرًا ويجعلنا على تحدي أكبر، بأن نعيد بناء الإذاعة من جديد، أن يعود ذوي الأسرى لإرسال رسائلهم وأن نعود للحديث بصوتهم، وأن أعود للمايكرفون خاتمة كل رسالة إذاعية بالقول: " كانت معكم من خلف المايكرفون لينا محمود الطويل.. التحية لكم والحرية للأسرى" وعسى ذلك أن يكون قريبًا.