الأربعاء 17 مايو
"على جثتي بتوخدوا أختي"، هذا مالك الذي انهار فورًا بمجرد سماعه من الجندي بأن معه أمر مباشر من المخابرات الإسرائيلية باعتقال أخته آمنة، وقف متحديًا الجيش في وسط منزله، رافضًا أن تخرج معهم، وهو الذي خرج مؤخرًا من سجون الاحتلال ويعيي جيدًا ماذا يعني أن تكون أسيرًا، لم يرد لأخته أن تخوض التجربة، فحاوطه الجيش خوفًا من أي تصرف منه، خفت أنا وسرعان ما ركضت آمنة له تطمئنه وهو يحضنها فقالت: خلص يخو روق عادي منتو كلكم اعتقلوكوا خليني أجرب أنا كمان". فتركها على عينه مجبورًا يغرمه شعور القهر، أوصلها حتى سيارة الجيش ودعها وحينها أخبرني أنه لم يره نظرة خوف أو ارتباك في آمنة. على عكسه حين اعتقل قبل سنوات، وهو بعمر العشرين. فقال لي: "يما آمنة قوية".
أنا أم الأسيرة آمنة اشتيه، اعتُقلت ابنتي قبل حوالي ثلاثة أشهر، ومن قبلها اعتُقل ابني معاذ ومالك وزوجي، خرج مؤخرًا معاذ من الأسر بعد ٥٥ شهرًا من الفراق، كانت آمنة تتشوق ليوم تحرره، ولكن شاءت الأقدار أن تُعتقل قبل ذلك، كانت فرحتنا جميعًا ناقصة بعدم وجود آمنة معنا، خططت لساعات مع عرين زوجة معاذ عن احتفالات يوم تحرره، ولكنها لم تكن، وأوصتنا في مكالمة هاتفية بأن نفعل الحفل كيفما كان ببالها.
أنا لم أزر آمنة منذ اعتقالها، أراها فقط في المحاكم، وأول ما تسألني عنه "كيف بابا"، فعلاقتها به لا تشبه أي أحد آخر، وهو أيضًا هي الأعز عنده، بكى يوم اعتقالها، ويبكيها في كل يوم، نجلس أنا وهو سويًا ونتذكر آمنة ونبكي. حتى مريم البالغة من العمر خمس سنوات حفيدتي تفتقدها وتسأل عنها بشكل دائم، تجلس على سجادة الصلاة، وتدعو يارب فك أسر بابا وانتقم من الجيش، وحينما عرفت باعتقال آمنة قالت: يعني اعتقلوا بابا ومالك وبلبل "جدها" وكمان أخدوا آمنة".
أذكر في مرة من المرات أغلقت باب غرفة آمنة، وإذ أسمع باب الغرفة يُفتح، دخلت وجدت مريم تدعو وتقول: "يارب آمنة ترجع". "يا ماما ما تبكي وقت يعتقلوا أخوتي، رح تضل دموعك ببالهم ضلك قوية". كنت أفعل بنصحيتها على الدوام، حتى حين اعتقالها لم تسقط دموعي أمامها، مدتني بالقوة والأمل الدائم، تظل تردد "قدر الله وما شاء فعل".
اتصلت بنا آمنة مرتين خلال فترة اعتقالها كان صوتها صابرًا، مدنا بالطاقة الإيجابية، طلبت في بداية المكالمة أن نتصل على ابنة عمها وصديقتها عبير التي تعتبرها أكثر من أخت، واتصلنا أيضًا على صديقاتها اللواتي يسألن عنها بشكل دائم وتوطدت علاقتي بهن أكثر من بعد اعتقال آمنة، ذهبت على حفلة زفاف صديقة لها وجدت كل الصديقات وقت الأغنية الخاصة بهن يرفعن صورة آمنة في لفتة جميلة منهن.
لم تكن يومًا طفلة مشاكسة، على الدوام كانت هادئة، في مرة وهي طفلة أخدتها معي في زيارة لصديقة لي فقالت لها: "أمونة شو حيية " أي شو خجولة وهادية". فردت آمنة: "أنا مش حية". فضحكنا عليها وشرحنا لها معنى الكلمة. وما زالت صديقتي التي أصبحت معلمة آمنة فيما بعد تذكرني بهذا الموقف ونضحك عليه.
درست الشريعة في جامعة النجاح الوطنية، أحبت الصحافة ودرستها في أول فصل جامعي، ولكن لم يرق لها الأجواء الاجتماعية والانفتاح الزائد بين الطلاب، فغادرت حلمها نحو تخصص الشريعة التي وجدت نفسها فيه. كان من المفترض أن تحضر حفل تخرجها في هذا الشهر ، ولكن شاءت الأقدار أن تُعتقل، حينما تتحرر ستقدم الامتحانات، وتصبح خريجة بشكل رسمي.
تمت حفلة التخرج دونها، كنا حاضرين وتسلمنا الصورة التي صممتها الجامعة لها، كنت أتمنى أن أراها بين زملائها، ولكنه أمر الله ولا اعتراض. أسأل الله أن يمنّ علينا بلقاء قريب مع آمنة، وأن يفرج الله كرب كل الأسرى.