الأربعاء 17 مايو
لطالما استوقفتني ثقة الأنبياء عند دعائهم لله عز وجل. ما هذا اليقين الساحر الذي دعوا به فاستجيب لهم فورًا؟ ما هذه المرحلة التي وصلوا لها حتى يؤتيهم الله سؤلهم بهذه الطريقة المبهرة؟ إياكِ وأن تجيبي بأنهم أنبياء ولهذا السبب استجيب لهم. نعم، هم أنبياء يحملون عظيم الرسالات ولهم مكانة خاصة، لكن الله قال لنا جميعًا: ادعوني استجب لكم!
الإجابة موجودة ولم يضع الله فاصلًا بيننا وبينها. إذن، أين يكمن الفراغ بين دعواتنا واستجابتها؟ إنه في يقيننا، ومدى تصديقنا، ومدى ثقتنا بالله عز وجل! في قصة النبي موسى، عليه السلام، يسأل الله تعالى، فيجيبه فورًا: (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى). يقف موسى ومن خلفه جيوش فرعون، وأصحاب موسى تملّكهم الرعب ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾. أجابهم موسى ﴿قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾. كلا إن معي ربي سيهدين!
لم ترعبه الجيوش من خلفه فهو يعلم من يدعو. أتعلمين ماذا طلب الله، عز وجل، من موسى أن يفعل بعدها ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾. طلب منه أن يضرب بعصاه البحر! لماذا؟ أكان يعجز الله وجل أن يفلق البحر نصفين؟ من دون أن يضربه موسى؟
إنه اختبار اليقين، اختبار الثقة. لو كان موسى يشك في استجابته عندما قال (كلا إن معي ربي) لما ضرب البحر من شده يقينه وإيمانه بأن الله معه، ضربه بكل قوته فانفلق كل فرق كالطود العظيم! هل وصلك إحساس اليقين الساحر؟ هل وصلك مقدار الثقة؟ هل تدعو الله وأنت ترتجف من الخوف؟ هل تتساءل بعد كل دعاء هل سيستجيب أم لا؟ هل تدعوه وأنت شارد الذهن؟ إذن، راجع قصة موسى، عليه السلام، فهي تعبّر عن كل واحدة منا عندما يتملكها الخوف.
عندما خاف موسى من فرعون، قال: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى). فيجيب الله عز وجل: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى).إنه يسمع ويرى، إنه قريب مجيب. كيف يتكون هذا اليقين الذي يجعلني أكون واثقًا، بالإجابة؟ تذكري دائمًا وعود الله، عز وجل، في القرآن، وتذكري بأنه قال لأعظم المعجزات (هو علي هين).
ادعِ دائمًا باستحضار أسماء الله الحسنى واستشعريها في دعائك، فاسم الله الوهاب مثلًا دعا به سيدنا سليمان عندما أراد ملكًا عظيمًا. (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ).
واسم الله الرزّاق كان سببًا في رزق مريم وهي في المحراب (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا)، (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ). أسماء الله الحسنى ليست خطوطًا نزين بها جدراننا، بل هي مفاتيح وأسرار الدعاء، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
تخيلي فورًا أن الله قال لك (قد أوتيت سؤلك)، أو إنه يقول (قد أجيبت دعوتك). واجعلي شعور السعادة بذلك يغمر قلبك وجوارحك وكأنك ترين دعائك حقيقة أمام عينك. راجعي قصص الأنبياء، ففيها عجائب وأسرار الدعاء والتدرج في اليقين، تريدين الذرية بعدما فقدت الأمل؟ راجعي قصة زكريا عليه السلام. تريدين الشفاء من المرض؟ راجعي قصة أيوب عليه السلام. تريدين الخروج من حلق الضيق إلى أوسع طريق؟ راجعي قصة يونس عليه السلام (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
اقرأي آيات القرآن بتأمل دقيق جدًا وراقبي كلماته وخواتيم آياته. انتبهي لكل تفصيلة فيها، فهي تحمل كنوزًا وأسرارًا عظيمة، لو اكتشفت هذه الكنوز تدريجيًا ستعيشين بروعة اليقين، بل وسحر اليقين، ومعرفة الله عز وجل الحق، اعرفيها بنفسك وابحثي عنها، ولا تنتظري من أحد أن يخبرك بها. فالله يريد مناجاتك أنت ودعواتك أنت وليس أدعية شخص آخر.
وأخيرًا سلمي أمرك لله، وثقي بالتوقيت الإلهي الدقيق. الدعاء سر الحياة، فعندما قال الباحثون في التنمية البشرية في الغرب أن الكون يستجيب وأنك تسأليه فيعطيك، لقد عرفوا السر، ولكنهم لم يعرفوا المعطي، إنه الله عز وجل! فقط اسأليه فيعطيك، وما لم تجدينه في حياتك. تأكدي بأنك لم تسألي الله بصدق عنه.