الأربعاء 17 مايو
أحد معتقداتي في الحياة أنه مثلما تتعاقب الفصول على الأرض، ويمر عليها الربيع والصيف والخريف ثم الشتاء، هكذا أيضًا تتعاقب الفصول على حياة سكان الأرض. فلا الأرض ولا سكانها تسير حياتهم على وتيره واحدة، الربيع أحب الفصول للقلوب، فصل يمتلئ بالألوان والبهجة والأمل، موسم تفتح الزهور التي ظل المزارع يرعاها على مدار السنة إلى أن يحل الربيع. أما أيام الصيف فتملؤها المتعة والصحبة والكثير من الخطط والإثارة، الشتاء برغم من اتسام جوّه بشيء من الكآبة بالنسبة للبعض، نظرًا لانخفاض معدل الطاقة وحجم الأنشطة خلاله، إلا أنه موسم الدفء والأمان والسكون.
أما الخريف فموسم سكون مميت يأتي ليقضي على الأخضر واليابس، تنظر إلى الأشجار التي كانت مثمرة بالأمس، المليئة بالحياة، تحولت. وياللعجب، وكأنك تنظر إلى هيكل خشبي فارغ تمامًا من أي حياة، لو لم نكن نعلم بدورة الحياة لظننا عند النظر إلى تلك الهياكل الخشبية التي تملأ الشوارع في هذا التوقيت من العام أنها النهاية ولا يوجد حياة لتلك الهياكل مرة أخرى، ربما يتطرق لفكر البعض تساؤلًا، ما الداعي إلى ترك تلك الاشجار هكذا بعد أن انتفضت عنها جميع أوراقها وأصبحت بلا حياة، بلا فائدة، بلا أثمار؟
تطلّ شرفتي على شارع ملئ بالأشجار، يبتهج قلبي في كل صباح حينما أنظر إلى فروع أحداهم الضخمة، المليئة بالأوراق الخضراء والحياة، تأوي إليها العصافير نهارًا وتتسلل أشعة الشمس الذهبية من بين فراغاتها، مشهد يملأ وجداني بالسعادة إلى أن يحين الخريف وأجد المشهد المحبب إليّ يودعني ويرحل، تنهار الصورة الجميلة ولا يبقي منها سوى فكرة أن في يوم ما تلك الشجرة، ستعود من جديد تملأها الحياة وإن كانت كسرت من الأساس.
عندما حل الربيع هذا العام أثمرت جميع أشجار الطرقات ذات الهياكل، وأصبحت في تمام توهجها، تستقبل الربيع بكامل حُلتها إلا تلك الشجرة التي تطل عليها شرفتي، كل يوم أذهب لأتفقدها، أنظر إليها في انتظار أن تعود إلى الحياة مرة أخرى، وبرغم من أن جميع أقرانها قد بلغوا نموهم إلا هي، إلا أني لم أشك أنها ربما لا تعود للحياة تلك المرة، أنظر إليها وهي فارغة تمامًا ويقيني أنها ستمتلئ بالحياة قريبًا، وحده ماضيها المليء بالأثمار عقب كل انكسار هو دليلي.
ربما هناك خريف ما سيصادف أيامك، خريف تختبره على مستوى العلاقات، العمل، النجاح، الأسرة، أو ربما على مستوى الذات، أقول هذا ليس من باب التشاؤم، ولكن يبدو أن هذه هي دورة الحياة، ربما تكون للتو خرجت من خريفك أو مقبل عليه، أو لعلك تمر به الآن، أعلم ثقل وضع السكون وتساؤلاته التي لا تجد لها جوابًا وتغيب فيها معالم الحياة، ربما تكون مثل تلك الشجرة تنظر الحياة في كل ما حولك ما عداك، لا تجزع، لست وحدك من يزحف الخريف إلى حياته، بل يبدو أنها أحد مراحل الحياة التي لا بد من المرور بها واجتيازها.
ربما يكون هذا التوقيت من العمر ما هو إلا وقت لشحذ الطاقة نحو انطلاقة مختلفة عما سبقها، أو هي فترة تهيئة واستعداد لأمر ما، أو توقيت سكون لإدراك بعض الأمور. لا أملك السبب الكامن وراء مثل تلك الأوقات، ولكن أومن أن هناك قصدًا منها، كل ما عليك فعله في مثل هذا الوقت أن تتحلي بالإيمان وتستمر في الروي، والربيع قادم لا محال.