الأربعاء 17 مايو
"استشهاد ثلاثة في جنين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي".. فعلّقت أمي على هذا المنشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وقالت: "الله يصبر أهاليهم". ولم تكن تدري أن من بين الثلاثة ابنها البكر في الأولاد. لم أدر ماذا أفعل عندما عملت بخبر استشهاده أذهب إلى أمي أم أبكي أخي. دون وعي، ارتديت على عجالة وذهبت أركض لبيت أمي وقبلها هاتفتني تسألني "سيف أخوكي استشهد؟". حقيقة كان لم يصلني الخبر بعد.. فأجبت: "لا يما مش سيف". بمجرد وصولي لشارع بيتنا، وجدت أمي في قمة انهيارها تسقط على الأرض والشباب يحاولون نقلها للمشفى.
أنا ديانا أبو لبدة، شقيقة الشهيد سيف أبو لبدة، لم يكن خبر استشهاده سهلًا عليَّ فهو صديقي المقرب، وحبيب ابنتي الصغيرة آيلا، تحمل المسؤولية في عمر صغير، لم يكمل دراسة الثانوية إثر ظروفنا بعد وفاة والدي، ففضل العمل على الدراسة ليوفر لنا احتياجاتنا، واجه صعوبة في البحث عن عمل، فدخل للخط الأخضر بالتهريب لكي يعمل فقط ويبحث عن لقمة العيش، وبعد سنوات افتتح محل للهواتف الخلوية في وسط مخيم نور الشمس.
لم يسلم من جيش الاحتلال الإسرائيلي، فاعتقلته في العام ٢٠١٦، وأُفرج عنه في الخامس عشر من آب/أغسطس من العام ٢٠١٧، وهذا كان موعد زفافي. ثم تجدد اعتقاله في ٢٠٢٠ وأفرج عنه ٢٠٢١. سيف الشاب القيادي المحبوب المثقف، كان حنونًا علينا يؤمن أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.. يظل يردد "احذروا الموت الطبيعي ولا تموتوا إلا بين زخات الرصاص" لم يكن يريد أن يموت ميتة عادية، بل في ساحة المعركة ولقد رزقه الله الاستشهاد.
"ديانا يلا نتصور أنا وأنتِ وهدول الصور بتخليهم ذكرى عندك يختي".. كان هذا في لقاءنا الأخير في الواحد والعشرين من مارس ٢٠٢٢. يومها التقيت به عند والدتي وقال لي: "يلا أنا بدي أوصلك لبيتك اليوم". رحبت وسعدت بالفكرة.. التقطنا الصور، وفتح أنشودة "ابن السراي.ا" في سيارته وقال لي: "لما استشهد بتنزلي صوري مع هي الأنشودة". ضحكت وقلت له: "يعطيك طولة العمر يخوي". بعد أيام صار الحديث حقيقة، وبقي لي من سيف صورنا وذكرياتنا ورحل قطعة الروح إلى رحمة الله.
"ماما خالو سيف بالجنة وبدو يجبلي هدايا كتير"، هذه آيلا صاحبة الأربع سنوات تصبرني وتواسيني. كان رقيقًا حنونًا يحب مشاكسة الصغار كنوع من الدعابة آؤلا وزينة وسند وكرم وجود ولار ومسك وإيلين. كل أطفال العائلة الذي بكوه ويفتقدوا مشاكساته.
عرفه كل أهل المخيم بكرمه وخلقه، يشاركهم في أفراحهم وأحزانهم، اذكر موقفه عند استشهاد صديقه عبدالله الحصري من مخيم جنين، قام بعمل تأبين له في مخيم نور شمس، ووضع صورة مضيئة له في مخيمنا تخليدًا لذكرى الشهيد، ووضع ثلاجة ماء عن روحه. رحمة الله على سيف وسلام الله لروحه، والرحمة على كل الشهداء والصبر لقلوبنا جميعًا.