بنفسج

قصتي.. ولاء غنيمات

الأربعاء 17 مايو

"أرجعوا ما فيه مرور اليوم إلكم"، وكأني لم أسمع، عدت التأمل من جديد في ما حولي منتظرة اللحظة الذي سأقفز فيها من الفرحة عند باب العمود. وإذ بالأصوات تتعالى "حسبي الله ونعم الوكيل"، والتمتمات الساخطة تلعن الاحتلال البغيض، كنا قد توجهنا بعد التأكد من أنه يُسمح للنساء أقل من ٤٠ سنة بالمرور من دون تصاريح، وعند الوصول للمعبر واجتياز الازدحام من المصلين العائدين، مررنا ومشينا لمسافة ليست بسيطة حتى وصلنا المعبر."

"أرجعوا ما فيه مرور اليوم إلكم"، وكأني لم أسمع، عدت التأمل من جديد في ما حولي منتظرة اللحظة الذي سأقفز فيها من الفرحة عند باب العمود. وإذ بالأصوات تتعالى "حسبي الله ونعم الوكيل"، والتمتمات الساخطة تلعن الاحتلال البغيض، كنا قد توجهنا بعد التأكد من أنه يُسمح للنساء أقل من ٤٠ سنة بالمرور من دون تصاريح، وعند الوصول للمعبر واجتياز الازدحام من المصلين العائدين، مررنا ومشينا لمسافة ليست بسيطة حتى وصلنا المعبر."

تنفسنا الصعداء بعد رؤية العديد الكبير ممن ينتظرون للعبور حيث القدس، ولا بأس، سننتظر. رأيت السائحين الأجانب والفتيات، وكانت هناك فتاتين من القدس بزي طبي، وحينها أُبلغنا بأن نزاعًا قد دار بين جندي ومواطنتين أصرتا على مرور فتاتين رفقتهما، رفض الجندي بزعم مانع أمني عند الساعة الحادية عشر، بقينا ننتظر أن يُسمح لنا بالمرور، والعطش يأخذ بالتسلل لنا، والإرهاق بادٍ في وجوهنا. أخبرونا بأنه سيتفتح بعد ساعات. انتظرنا من جديد، ولكن خلفوا ورفضوا مرور أي شخص، لملمنا الأمتعة وعدنا لبيوتنا، هذا كله في الجمعة الأولى من رمضان.

لم يكن الأمر سهلًا أن يرفضوا إدخالنا لزيارة القدس والمسجد الأقصى بعد ساعات من الانتظار، والكثير من الأمل لنكحل أعيننا برؤيته بعد فراق طويل، حقيقة، لم أُصدم لأننا تعودنا على الغدر والتنغيص، يظنون أننا لن نعود في مرات قادمة، ولكن ههيهات سنعود، ولا تهم ساعات الانتظار.

في الجمعة الثالثة قررنا العودة من جديد، وكنا ندعو الله أن يتمم الأمر على خير وندخل هذه المرة. ذهبت رفقة والدتي وأختي وابنة خالي، واجتمعنا بصديقة من القدس. بعد إجراءات كثيفة على المعبر وانتظار، لم أدرِ كم مر من الوقت، صحوت بعد اجتياز المعبر، فانطلقت ابتسامتي على وجهي ترقص سعادة.

ركبنا الحافلات وتوجهنا حيث المكان الذي نحب، حاملين آمالنا ودعواتنا. من فرحتنا كنا بخف الريشة، نتأمل بالمكان وكأننا نزوره أول مرة. رأينا قبة الصخرة بجمالها، والتقطنا الصور في كل زواية، ممرنا عن أطفال يتقافزون هنا وهناك. وعائلات تفترش الأرض بسعادة. وحلقات لتحفيظ القرآن. كنا نودّ أن نعيش أجواء الإفطار في باحات الأقصى، ولكني عانيت من ألم شديد في رأسي من تأثير قنابل الغاز التي يطلقها الاحتلال بطائراته المسيرة. عدنا من حيث أتينا بعدما قضينا وقتًا لا بأس به هناك على أمل العودة من جديد في يوم الجمعة الأخيرة من رمضان لعيش مشاعر جميلة في الأقصى.

ونحب البلاد كما لم يحب البلاد أحد. رغم التضييقات والتنغيصات إلا أننا نصمد في وجهها وندعو الله أن يثبتنا، وأنا على الطريق حاولت فتاة العبور ورفضوا لعدم حملها أوراق ثبوتية، وأيضًا وجهوا الجنود سلاحهم نحو رجل كان يمر معنا من محطة الحافلات. الطريق نحو القدس ممتلئ بالعقبات والسير الطويل، ولكننا نحب أن نزوره برغم أننا نصل مرهقين، نال التعب منا وتفشى. أنا من قرية بعيدة في الخليل.

بداية توجهت في المرة الأولى بسيارتي نحو "قبة راحيل" معبر بيت لحم، ولم نستطع الوصول فعدنا. وفي المرة الثانية حاولنا ركوب الحافلة بحيث يتم تسيير حافلات يوم الجمعة نحو المعبر مباشرة ولكن لكثرة العدد ربما لم نلحق بها، فتوجهنا إلى البلدة المجاورة ولم نجد أيضًا، فأكملنا نحو المعبر، بحمد الله، كان في ذلك اليوم عيد لدى اليهود فكانت الطرق فارغة منهم، وصلنا المعبر الساعة ٨ صباحًا بعد قرابة ساعة إلا ربع من الخروج، وجدنا، كالعادة، الأزمة تمتد من قبة راحيل حتى المعبر وبالتالي نمشي مسافة لا بأس بها أعداد كبيرة في الشارع، لا مكان لعبور السيارات، يقف عدد من الشرطة الفلسطينية ثم بعدهم عدد من شرطة العدو.

 وفي ذلك الحين كان هناك ممر للنساء والأطفال وممر للرجال عبر البوابات، وما يسمى بالمعاطة والبوابات الإلكترونية ومعابر التفتيش. أتذكر بأن هناك العديد من النساء اللواتي لم يكنّ على علم بكيفية العبور، ولم نفهم كلام الجندي. عند مرور أمي وسيدة عجوز أخرى، وأثناء مرور الحقائب على جهاز التفتيش رفض الجندي فتح البواب لمرورنا قائلًا: ارجعي خلص. لم نعلم لماذا رفض دخولها. مررنا نحن وأكملنا الطريق نحو القدس.

نحن الفلسطينيين كُتب علينا أن نذوق المر ونقول لا بأس، ستزول آلامنا. "والله دخلنا، والله دخلنا كلنا كلنا"كانت ردة فعل من فتاة تحادث عائلتها، رأيتها تقفز وتصفق وتهلل. كانت فرحتها باعثة للأمل. نهاية، أدعو أن يعود الأقصى لنا بأكمله، من دون حواجز وتضييقات، دون قنابل غاز ورصاص. فاللهم احفظه بعينك التي لا تنام.