الأربعاء 17 مايو
العبي شوي شوي مع البنت أكلتيها"، من شدة ضرباتي لكرتي الصغيرة بمضربي الرقيق قالت لي معلمة الفتاة التي تلعب معي هذا، كان حماسي شديدًا لدرجة أنني لم أنتبه أنني أسدد الضربات بقوة، كيف لا أتفوق في لعبة كرة الطاولة وأنا ابنة أبي بجدراة، ألا يقولون "ابن الوزّ عوّام"، ورثت حب هذه اللعبة من أبي مدرب المنتخب الفلسطيني لكرة الطاولة أحمد أبو نعمة، تعملته منه، فهو مدربي الأول منذ طفولتي وحتى اللحظة، نحن عائلة رياضية بامتياز، جمعينا نلعب كرة الطاولة عدا أمي، في حجر "كورونا" توقفنا عن التدريب بالملعب، ولكن تغلبنا على هذا؛ فقمنا بتحويل طاولة الطعام إلى ملعب لكرة الطاولة، سرعان ما أحضر المضارب والكرة، وحماسي يصل السماء، نحول المكان لساحة حرب صغيرة، لنرى من سيتفوق، لا خاسر في منزلنا، كلنا فائزون.
حين كنت طفلة لم يكن طولي يسعفني، فحجم الطاولة كان يتفوق عليَّ، أذكر أنني في مرة لم أصل للكرة التي تكون بالقرب من الشبكة، فصعدت على الطاولة بنصف جسمي كي أصلها ولا أتركها. منذ طفولتي أشارك في جميع البطولات المدرسية وعلى مستوى الضفة الغربية، احترفت كرة الطاولة في عمر مبكر، وتوجهت لدراسة تخصص بعيدٍ كل البعد عن الرياضة وهو تخصص العلاقات العامة والاتصال في جامعة النجاح الوطنية، لأنني أردته أن يكون مجال عملي.
حتى عمر الخامسة عشر لم أضع أي أهداف في اللعبة وكنت ألعبها لأني أحبها وأصبحت عادة بالنسبة لي، إلى أن شعرت أنه آن الأوان لأضع أهدافًا وخططًا تدريبية ليرتفع المستوى باللعبة، وبالفعل، أحرزت المرتبة الأولى على فلسطين، ناشئات، في العام ٢٠١٧، وشاركت في بطولة أندية غرب آسيا في الأردن، وكانت أول مشاركة خارجية، ولأول مرة أمثل فلسطين بالمحافل العربية.
قبل أي مباراة لأحدنا كانت العائلة جمعيها تنام مبكرًا، نتبادل الحديث قبل النوم حول إمكانية الفوز، تكتيكات يجب اتباعها خلال اللعبة، وأهم ما نذكر أنفسنا به أننا نستطيع التغلب على جميع الخصوم.
أنا شيماء أحمد أبو نعمة، وأفخر حين يسألني أحد: ابنة المدرب أليس كذلك؟ فأجيب بكل فخر: نعم. فيقال لي: "صدق اللي قال بنت أبوها"، والدي كان له الفضل الأكبر في صناعة شخصيتي، جعلني أؤمن بنفسي كثيرًا في أوقات التردد والقلق خلال أي مباراة، حوّلني من الفتاة العصبية العجولة إلى الصبورة الهادئة، حين كان يقف أمامي كمدرب كان يمنحني وجوده شعورًا بالطمأنينة.
منحتني كرة الطاولة العديد من الصفات منها القدرة العالية على التركيز، وضبط الانفعال والتوتر وضبط النفس بشكل كبير.
حصلت على عدة بطولات داخلية وخارجية، أبرزها المرتبة الأولى في بطولة فلسطين لكرة الطاولة سيدات 2019، والمرتبة الأولى على مستوى الجامعات الفلسطينية 2019، والمرتبة الأولى على مستوى جامعة النجاح الوطنية 4 مرات متتالية، المرتبة الأولى في بطولة فلسطين لكرة الطاولة ناشئات 2017.
وأبرز البطولات الخارجية المشاركة في بطولة الأندية العربية لغرب آسيا في الأردن 2017، والميدالية الفضية في البطولة الإقليمية التاسعة للأولمبياد الخاص في الإمارات في اللعب الزوجي 2018، والميدالية البرونزية في بطولة العالم للأولمبياد الخاص العالمي في الإمارات في اللعب الزوجي 2019، والمشاركة في تصفيات طوكيو 2020 مع الاتحاد الفلسطيني لكرة الطاولة.
كل بطولة لها وقع خاص ومؤثر على النفس، يجمعهم الشعور بالفخر والسعادة والإنجاز، كان لبطولة العالم والبطولة الإقليمية مع الأولمبياد الخاص، وقع وأثر كبير في مكان تجتمع فيه الإنسانية والرياضة معًا. استمر في التطور وإتقان اللعبة أكثر فأكثر بالتدريبات المكثفة برفقة والدي ومدربي أحمد أبو نعمة. وأعتقد أن اللاعب يحتاج ليصل إلى الاحتراف المثابرة والتعب وبذل الجهد الكثير من الصبر والصبر والصبر.
وحين يتم سؤالي لما اخترت كرة الطاولة تحديدًا؟ أقول: " لم أختر كرة الطاولة، بل أقول إن كرة الطاولة اختارتني منذ طفولتي، كون والدي مدرب منتخب فلسطين، إذ كنت أذهب للمشاهدة فقط، وأقدمت على التجربة ذات يوم إلى أن أصبحت ما أنا عليه الآن، وأنا الآن في عامي الثالث عشر باللعبة. لم أواجه تحديات أو صعوبات كوني فتاة، وكون والديّ داعمين لي في المجال الرياضي، ونشأت في عائلة رياضية، وكوني أقطن في مدينة منفتحة نوعا ما إلى رياضة الفتيات.
مواقف كرة الطاولة كثيرة ولا تعد ولا تحصى لكثرتها احتلت الجزء الأكبر من حياتي، ولكن يمكنني القول إن مواقف الفوز بالتأكيد، والحصول على المراتب الأولى بعد كد وعناء طوال سنة كاملة من التدريبات، الأجمل على الإطلاق، وكذلك حين يقول لي أبي اللاعبة المقاتلة. في كل مباراة أشعر وكأنها الأولى من التوتر بالرغم من كثرة التجارب، ولكن شعور المسؤولية يطغو عليَّ دائمًا حين ألعب أي مباراة، ولكن مع بدء اللعبة أتغلب على شعوري هذا بالتركيز.
ومن المواقف المؤثرة التي تعرضت لها، حين فزت في العام ٢٠١٩ المرتبة الأولى على فلسطين، بكت صديقتي في المباراة التي تغلبت عليها فيها، حزنت كثيرًا لبكائها وذهبت راكضة لمراضاتها. الخسارة دائمًا محزنة حتى لو تظاهرنا بعدم حزننا، إلا أننا نتأثر بها بشكل كبير، ولكن الحقيقة في كيفية تحويل هذا الحزن إلى طاقة تدريبية لا تأبه لخسارة، وتستمر لتحقيق الفوز. أما عن الفوز، فهو دائمًا يبعث السعادة والفخر إلى جانب المسؤولية الكبيرة في الحفاظ على المستوى نفسه بلا تراجع، بل تحقيق المزيد من التقدم.
كلمات الثناء لا ننساها أبدًا، حين كنت ألعب مرة مع مدرب لبناني، أثنى على لعبي، وقال لي لا تحتاجي الكثير من الوقت لتصبحي لاعبة مميزة، احرصي على الاستمرار بالتدريبات. الحكايات لا تنتهي والمواقف أيضًا، ولكني أطمح لأن أكون لاعبة دولية مصنفة دوليًا في الاتحاد الدولي لكرة الطاولة.