الأربعاء 17 مايو
"فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون" يخفق قلبي كلما قرأت هذه الآية من سورة الزخرف، وأظنها رسالة من الله لبقاء هذا القلب نقيًا من أي حقد أو ضغينة. وأقرب السور لقلبي هي سورة يوسف، أما الآية التي تستوقفني دائماً، "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا"، تذكرني بأننا دائمًا تحت رعاية الله ورحمته.
لأحدثكم أنا وطن نعيرات عن رحلتي مع حفظ القرآن الكريم، بالبداية لم تكن رحلتي مع القران سوى حلم، كنت أظنه مستحيلًا، منذ فترة المراهقة وأنا أطمح للوصول للذة الشعور لآخر آية أتشربها بحبّ، لكن حينها كنت الفتاة المراهقة التي تحب الله بقلبها ولم يظهر ذلك على جوارحها، وبالتالي كانت خطوة ذاتية في حفظه، أحفظ آية وأكررها مراراً لأتقنها، وأدركت حينها أنني لن أتمكن من تحقيق الحلم طالما أسير بهذا النهج البسيط والبطيء، وتمثلت هذه المرحلة مدّة ثلاث سنوات حتّى وصلت للثانوية العامة، فكانت خطوة صعبة في استكمال الحفظ الذاتي.
كانت لي قريبة في عامها الأول في الجامعة كنت أسمع منها دائمًا عن ملتقى القرآن الكريم الذي كان له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في تحقيق المستحيل لدي. فبالرغم من طموحي في الحفظ منذ فترة المراهقة، لكن على أرض الواقع بدأ ذلك في عامي الأول في الجامعة.
بالبداية لم يكن هناك نظام ثابت، وبعد أشهر قليلة، سرت على نظام الربع حزب، يوميًا، وبعد وجود منافسة وروح رياضية بين طالبات الحلقة، ازدادت الهمة حتى وصلت مرحلة الحزب خلال يوم، أتقنت في فصلي الأول الجامعي، ما يقارب الأربعة أجزاء ونصف، فكانت من المعجزات بنظري، كوني كنت أظن أن سنوات الجامعة الأربعة لن تكفيني، ولا زلت أذكر قولي لمشرفتي في أول لقاء لديّ، "حتّى لو كلّفني الأمر إنّي أضل بالإعلام ست سنين المهم أطلع من الجامعة خاتمة"
أما عن تثبيت الحفظ كان بشكل مستمر من خلال امتحانات يتم عقدها لكل جزء، ثم لكل خمسة أجزاء، كنت أظن مرحلة التثبيت مرحلة صعبة، لكن بعد أول امتحان خمسة تشجعت لاستكمال الحفظ والتثبيت. وعدد ساعات الحفظ، فبتوفيق من الله وجل لم أكن أقضي ساعات كثيرة أي لم يأخد جهد كثير منّي، لمعرفتي للوقت الذي يساعدني على التركيز، إضافة لمعرفتي لطريقة الحفظ التي تسهّل عليّ، منها التفسير والاستماع كثيرًا.
لم يكن هناك مقارنة بين السور الأسرع حفظًا أو أقلها، إنما السور التي فوجئت عند حفظها، أنني كنت أقرؤها لسنوات عديدة بطريقة خاطئة، للحظات أقف عند سور معينة وأتخيل لو لم أخطو هذه الخطوة، كم مرّة كنت سأردد هذه الآيات دون فهم أو حتى دون إتقان للقراءة!
وأيضًا تقف المقارنة بين فترات الحفظ، تارة هناك فترات فتور لم أكن أستطيع إنجاز حتّى آية، وفترات أنجز خلال أسبوع جزءاً أو أكثر. وغالبًا ما يقف الشخص عاجزًا في مرحلة الفتور. حياتي تتزين بالداعمين الذين شجعوني دائمًا وكانوا نعم السند، أبدأ بعائلتي التي لم تتوان عن بث العزيمة في روحي، أتذكر في مرّة عندما كان عمري ما يقارب الخمسة عشر عامًا سُؤلت عن سبب حفظي للقرآن، قلت لعلي ألقى أهلي بالجنّة في عمل يرفع من شأنهم، أخاف أن أكون الابنة العاقة أو الابنة التي تقصّر في جوانب مع عائلتها وبرّها لهم. ولا أنس فضل مشرفاتي وتشجيعهم الدائم لي.
مرحلة الحفظ والتثبيت استمرت عامان ونصف، كانت محفوفة بمواقف بعضها الطريق وبعضها الجميل وبعضها الصعب بالتأكيد، ولكن تكمن اللحظة التي لا تنسى لحظة الختم، لا يمكن وصفها بثمانٍ وعشرين حرفًا، تتجاوز الأحرف والكلمات، كنت أظن البكاء النتائج في لحظة الختم أقرب للحظات الفرح المعتادة، لكنها والله لا تشبه أي شيء، سوى أنها لحظات أشبه ما تكون بعودة الشخص لطفل صغير لا يحمل همًا ولا ذنبًا، وكأنه طائر يحمل أجنحة لا تسعه الأماكن.
أنا الآن مشرفة ومحفظة لحلقة تحتوي على 25 طفلة أعمارهن ما بين ال 4 سنوات حتى 15 عاماً بالإضافة لإشرافي على حلقة لفتيات جامعيات. في التحفيظ لا يوجد مبدأ ونهج نسير عليه دائمًا، لأن هناك قدرات وفروقات للحفظ والاستيعاب، وبالذات للأعمار الصغيرة، ويجب أن نقوم بإيصال رسالة مهمة أن من يحفظ القرآن فهو في أسمى الدرجات، فلا هو كتاب مدرسي ولا واجب صفّي، أقوم بعملية التحفيظ من خلال استخدام الحركات ورفع أو خفض نبرة الصوت حتى ترسخ في ذهن الأطفال، كما أقوم بتفسير الأيات بشكل بسيط يسهل فهمه وذكر مناسبة السور -إن وجد- والهدف من وجود السورة أو العبر المستفادة منها.
وبالنسبة لتحفيظ الأطفال بالتأكيد هي أجمل مرحلة في حياتي، كوني أحب أن أتعامل مع هذه الفئة العمرية الصغيرة، وكوني لدي الفرصة لتحفيظهم سورة الفاتحة التي سيقمون بقرائتها في كل صلاة، وبالتالي تكن صدقة جارية في حياتي. أؤمن دائمًا بجملة "يرزقك الله لذّة الوصول بعد التعب، فلا تيأس" كانت رفيقتي دائمًا ، بالإضافة لعبارة "من كان القرآن همّه كفاه الله جُلّ همه".
أود أن أقول لكم، أن حفظ القرآن من أسمى وأجمل وأروع اللحظات التي يمكن أن تمر على الإنسان، لذا أنصح كل من تراوده نفسه بذلك أن يبدأ دون تردد، بالتأكيد كل طريق محفوف بالصعوبات ومرحلة حفظ القران لذتها في الصعوبة وجهاد النفس، اجعل القرآن أولوية في حياتك، اجعل له ساعة مخصصة، كما لو أنك خارج التغطية والإرسال، تكن فيها مع الله وحده، وقم بتفسير كل آية هذا يزيد من استشعار عظمة الخالق وكتابه.