الأربعاء 17 مايو
يا عميا يا عميا"... لم يكتف ببث كلماته السامة في قلبي، بل كانت يداه تسبقانه، يضربني، وأركض أنا، لم أدافع عن نفسي حينها، كنت طفلة صغيرة لا أعي أن بعض الناس سيئون لهذا الحد، على الرغم من مرور سنوات على هذه الحادثة إلا أنني ما زلت أذكرها جيدًا، كلما تذكرتها أشعر وأن قلبي يبكي، فدموع القلب أشد من العين.
أنا تالا يوسف، ١٩ عامًا، فتاة كفيفة منذ الطفولة، ولكن الجيد في الأمر أنه لدي بقايا نظر، أرى الأشياء حين أكون قريبة منها للغاية، وأكبر شاشة هاتفي المحمول جدًا لأقرأ، لدي برنامج للتكبير أستخدمه دائمًا. لعلكم الآن تتسائلون عن حالتي، عائلتي تقول لي إني فقدت بصري إثر وقوعي على رأسي، والأطباء يقولون إنه وراثي.
كان حزني يتمكن منيَّ، لم أستطع الاندماج في المجتمع، ومع أبناء جيلي، وبالرغم من محاولاتي في ذلك لكني لم أنجح، كنت أشعر بأني "منبوذة". منذ طفولتي والصغار يرفضون اللعب معي، فقضيت أيامي بين جدران غرفتي. أواجه مشكلة في ممارسة حياتي اليومية، ويظل السؤال العالق في ذهني: لو طلعت شو رح يصير لو ضعت، شو أعمل؟!
بعد نجاحي في الثانوية العامة كنت أتمنى أن ألتحق بتخصص الترجمة، وقد جاءت لي منحة للدراسة في اليابان، ولكن العائلة رفضت. فبقيت في الوطن وأدرس الآن تخصص العلوم السياسية، أحاول أن أبني علاقة صداقة معه لعلنا نتفق يومًا. بدأت بعد الجامعة مشكلة الذهاب إلى المحاضرات، كنت أذهب رفقة فتيات من بلدتي ولكني كنت أشعر بأني رفيقة سير ثقيلة عليهم، فقررت مرة واحدة أن أغادر السيارة وأذهب لوحدي لأحفظ الطريق، بالرغم من علمي أن يومي سيصبح سيئًا.
نظرًا لوجودي بالبيت بشكل دائم، كنت أتابع العديد من اليابانين على مواقع التواصل الاجتماعي، أحبب اللغة وقررت أن أتعلمها، عكفت على التعلم، أحفظ الكلمات، أتابع هذا وذاك حتى أتقنت اللغة بشكل شبه كامل، ولكن توقفت بسبب أن بعض التطبيقات التي تعلمها تحتاج إلى مبلغ مالي للولوج لها. تعملت لغات أخرى كالألمانية والعبرية والروسية، لكن لم أحبها، وبقيت اليابانية الأحب إلى قلبي.
أما عن مشجعي الأول، فهي أمي، تصفق لي على كل إنجاز ولو كان صغيرًا، ولا أنسى والدي الذي يسعد بكل ما احقق. حاولت خلال رحلتي القصيرة أن افعل كل ما استطيع به أن أتميز لأسد خانة النقص لدي من وراء هذه الإعاقة الغير كلية. تعملت اللغات والعزف وأحاول في كل مرة تعلم المزيد والمزيد. "ومن يتق الله يجعل له مخرجًا" هذه الآية بلسمًا لقلبي وتطبطب علىَّ في كل مرة تضيق بي الدنيا.