بنفسج

مساحيق التجميل “Make up” عبر التاريخ

الجمعة 12 يونيو

"إن أسمى أنواع الجمال ليس ذلك الذي يُفتِنَنا على الفور، بل الذي يتسلّل إلينا ببطء، نحملهُ معنا ونحن لا نكاد نشعر به". نيتشة

"فاونديتشن، حومرا، أي شادو، أي لاينر، برايمر..." وغيرها من الكلمات التي تتداول بين النساء، وفي الأسواق الخاصة بمستحضرات التجميل، وإعلاناتها، فهي تكاد تكون جزءاً لا يتجزأ من الظواهر العالمية العابرة للقارات والحضارات عبر التاريخ بمختلف العصور.

هكذا هو الجمال، الجمال الإنسيّ، بتقدم الزمن؛ ترتفع معاييره ومتطلباته، فهو يخضع لمتغيرات العصر، أبرزها: الرؤية النفسية والفكرية لمفهوم الجمال عند الانسان، وحركة السوق بمختلف أساليبها واستراتيجياتها، فالطلب والعرض في عالم النساء، وبالمرتبة الأولى، يتمحور حول مستحضرات التجميل بمختلف علاماتها التجارية. وقد زادت هذه الظاهرة، باتخاذ نجوم العالم الواقعي في الفضاء الإلكتروني كوجوه إعلانية لهذه المنتجات، وبالتالي؛ تم استقطاب فئة النساء بمختلف فئاتها العمرية بشكل مفرط ومبالغ به، مما عزا بذلك إلى عكس هذا الاهتمام على فئة الشباب والرجال، والذي بدوره راكم صورا مجتمعية محددة لمفهوم الجمال، وأضاف أعباء نفسية على كليهما، النساء خاصة.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل يمكنني كفتاة، كامرأة، أن أحيا بلا "ماكياج"؟ علينا في بدء الأمر أن نفهم كيف أصبح الماكياج هاجسا يمكن أن يصير سلوكا قهريا، عندما نتفقد وجوهنا كل هنيهة وهنيهة، ونحمل أدوات الماكياج معنا أينما حللنا وارتحلنا؛ نسأل الشخص المقابل عن رأيه بنمط "ستايل" الماكياج الذي نضعه على وجوهنا، ونصرف مبالغ طائلة تفوق ميزانية الفرد على هذه المستحضرات دون أي قلق أو مبالاة، فما سبب كل هذا؟!

إن الإعلان الذي يصلنا من قنوات الإعلام الفضائية والرقمية بمختلف أشكالها، وتركيز الشركات على عنصر الجمال، وحصره بالماكياج، وبطريقة مدروسة في الترويج، يرتكز على دراسة سلوك المستهلك (الزبون)، وهو ما ترك لنا أفكاراّ ومشاعر تراكمية مرة تلو أخرى، فكيف يمكننا فهم ذلك؟

 | التجميل عبر العصور

يعود تاريخ فن التجميل إلى عصور ما قبل الميلاد (البوابة، 2005)، حيث عثر في قبور الفراعنة في مصر مهد فن التجميل الأول على أوعية تحتوي على مراهم وعطور مختلفة، وعلى مسك وبخور، حيث كان يعتقد فى ذلك الوقت أن الجمال يحمي من الشر.
وكان لبعض الأطباء العرب باع طويل في فن التجميل؛ مثل ابن سينا وكتابه المشهور (القانون في الطب) الذي شرح فيه فن التجميل والزينة وصناعة العطور. ‏

يعود تاريخ فن التجميل إلى عصور ما قبل الميلاد (البوابة، 2005)، حيث عثر في قبور الفراعنة في مصر مهد فن التجميل الأول على أوعية تحتوي على مراهم وعطور مختلفة، وعلى مسك وبخور، حيث كان يعتقد فى ذلك الوقت أن الجمال يحمي من الشر، فكانوا يبحثون عن طرق يبرزون بها جمالهم. وعند معظم الشعوب الشرقية القديمة، على سبيل المثال، الصينيون واليابانيون الذين استخدموا مسحوق الأرز لجعل وجوههم بيضاء، كما استخدموا الذهب للعناية بأسنانهم، وكان هذا إضافة جديدة لعالم التجميل المستوحى من الطبيعة.

كان لفن التجميل عند اليونانيين القدامى قواعده العامة ومفهومه الخاص. واشتقت كلمة التجميل من لفظ(osmet) الذي أطلق على الجواري اللواتي كنّ يعملن في فن تجميل نساء أثينا القديمة. وسعى الرومان في تطوير فن التجميل، وكانت له عندهم أسس تعتمد على العناية بالصحة العامة. وفي روسيا القديمة، عرفت العناية بصحة الجلد وملمسه؛ واستخدم سكان تلك البلاد -منذ مئات السنين- مراهم محضّرة من حشائش ونباتات مختلفة لإنعاش الجسم وتطرية البشرة. وكان لبعض الأطباء العرب باع طويل في فن التجميل؛ مثل ابن سينا وكتابه المشهور (القانون في الطب) الذي شرح فيه فن التجميل والزينة وصناعة العطور. ‏

أما في أوروبا، فقد حمل الرحالة الأوروبيون حين عودتهم من بلاد الشرق الكثير من مواد التجميل؛ كالأصبغة والمواد العطرية، من الهند وغيرها من دول المشرق. كما استعملت النساء الأوروبيات أنواعاً من الحمرة المصنوعة من أكاسيد الحديد والزنجفر "إحدى مركبات الزئبق"، والمساحيق المحضرة من الأسفيداج "إحدى مركبات الرصاص"، وغير ذلك من مستحضرات الزينة. وفي القرن السادس عشر، نمت في فرنسا صناعة العطور ومواد الزينة. وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر، اتخذ فن التجميل مكانته التي أرادها، وأصبح بالإمكان الاعتراف بوجوده كضرورة لأزمة يجب أن ترافق المرأة في إبراز جمالها.

 | المرأة صورٌ مستغَلّة

أسباب استغلال المرأة بمختلف صورها في الإعلانات، فهي نتيجة لسيطرة الشركات متعددة الجنسيات، ودعوتهم للعولمة بتوحيد الصورة الإعلانية عن المنتج لكافة بلدان العالم.
دون الأخذ بعين الاعتبار أي قيم اجتماعية، أو أخلاقية، أو ثقافية للمجتمعات متعددة الجنسيات. ولجوء المرأة لترويج سلع تخصها، ولجوء المرأة إلى إثبات وجود جمالها بطرق خاطئة بالتركيز على قوامها، وغياب المسؤولية الاجتماعية.

مع نمو صناعة التجميل، بدأ الإعلان الخاص بالمرأة يأخذ اهتمامًا بالغًا من الجهة المصممة للإعلانات؛ نظرًا لطبيعة المرأة وحبها للجمال والزينة. إلا أن عناصر الجمال عند المرأة ليست واحدة ومنفردة كلّ بذاتها، أي بمعنى لو تم التعامل مع كل عنصر على حدة، إنما جمالها يكمن في تكامل العناصر مع بعضها البعض. والبعد الجمالي في الإعلان بالتأكيد له دوره المؤثر في المرأة، والدافع لاتخاذ القرار الشرائي، ومن ثم للسلوك الاستهلاكي (شحاته، 2005).

لقد تعددت صور المرأة في الإعلانات، منها صورة المرأة العاملة، أو صورة المرأة التقليدية (ربة البيت)، أو صورة المرأة السطحية التي لا همّ لها إلا الماكياج والموضة؛ بالتركيز على جمالها واهتمامها بذاتها على حساب النساء الأقل حظًا في الجمال. وصورة المرأة كشيء، أي تشييء المرأة بربطها بسلعة أو صورة منتج معينة، وصورة المرأة الجسد، باتخاذها للدلالات والايحاءات الجنسية عنصرًا أساسيًا في رسم هذه الصورة، وهذا ما لوحظ انتشاره في الفترة الأخيرة.

أما عن أسباب استغلال المرأة بمختلف صورها في الإعلانات، فهي نتيجة لسيطرة الشركات متعددة الجنسيات، ودعوتهم للعولمة بتوحيد الصورة الإعلانية عن المنتج لكافة بلدان العالم، دون الأخذ بعين الاعتبار أي قيم اجتماعية، أو أخلاقية، أو ثقافية للمجتمعات متعددة الجنسيات، ولجوء المرأة لترويج سلع تخصها. بالإضافة إلى أسباب أخرى كارتفاع نسب البطالة، ولجوء المرأة إلى إثبات وجود جمالها بطرق خاطئة بالتركيز على قوامها، وغياب المسؤولية الاجتماعية، وغيرها من الأسباب المرتبطة بسلطة الإعلام وعالم الأعمال (فرحي، 2017 ).

 | قيمٌ ماديّةٌ فرديّة

إن الإعلانات الرقمية هي من أقوى الأدوات التي يستخدمها الإعلام، ولا تتوقف عند حدود بيع أو شراء منتج ما، إنما هو يقدم رسائل وأهدافا وقيما ومضامين مباشرة وغير مباشرة، من شأنها أن تؤثر على اختيارات الأفراد وقيمهم وتوجهاتهم الفكرية والنفسية (وخاصة المرأة).
هذه الإعلانات تعزز من الثقافة الاستهلاكية للعناصر المادية التي لا حاجة لشرائها، أي هي أشياء زائدة عن الحاجة الاستهلاكية للمرأة.

وفي دراسة (عبد الجليل، 2017) التي سعت للتعرف على أثر الإعلانات الرقمية (المرتبطة بالشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي) على القيم الاجتماعية للمرأة العربية، نوقشت فيها بعض من النتائج؛ أن غالبية مضمون هذه الإعلانات تشتمل على قيم كالسعادة، والراحة، والتوفير، والجمال، فيما أهملت قيم أخرى كالتواضع والاحترام والتجديد والإيثار، وهذا عائد إلى ارتباط تحقيق الرفاهية بقيمتي السعادة والراحة.

نتائج أخرى توصلت إليها هذه الدراسة، مفادها أن الإعلانات توظّف الخيال لتعزيز الشعور بالإحباط، وإشاعة الطبقية، والتبذير والإسراف، والانصراف إلى المباهاة بالترف، واستخدام الألفاظ الأجنبية؛ وبعضها بذيئة. كما أن هذه الإعلانات تعزز من الثقافة الاستهلاكية للعناصر المادية التي لا حاجة لشرائها، أي هي أشياء زائدة عن الحاجة الاستهلاكية للمرأة.

إن الإعلانات الرقمية هي من أقوى الأدوات التي يستخدمها الإعلام، ولا تتوقف عند حدود بيع أو شراء منتج ما، إنما هو يقدم رسائل وأهدافا وقيما ومضامين مباشرة وغير مباشرة، من شأنها أن تؤثر على اختيارات الأفراد وقيمهم وتوجهاتهم الفكرية والنفسية (وخاصة المرأة). وسنتعرف في الجزء الثاني من هذه السلسلة بشكل تفصيليّ على دور هذه الإعلانات، وعلى الأسباب الكامنة وراء مشاعر السعادة واللذة التي تشعر بها المرأة جراء اقتنائها واستخدامها لهذه المنتجات، وأبعاد هذه المشاعر، ومدى صدقيّتها.