بنفسج

على أرض الحلم.. أنا في المسجد الأقصى

الثلاثاء 13 يونيو

أربعُ سنواتٍ سابقةٍ مضتْ، وأنا في جنةِ الأرضِ بلا منازعٍ، في كلِ عامٍ أشدُّ رحاليَ إلى مسجدِ الأقصى، وَأُسْرِجُ قلبي بنورهِ وضيائهِ، أجددُ أحلاميَ وأمانيَّ بمعالمهِ، وأسافرُ بنفسي بعيدًا عنْ كلِ يأسٍ وقُنُوطٍ بأملٍ مما تَضمُّهُ تِكياتُه، ومحاربُه، وقِبَابُهُ وساحاتُه، وأسواقُه. أفتحُ عينيَّ بعدَ نومٍ عميقٍ تسكنُه كلُّ طمأنينةٍ على قبةِ صفراءَ ذهبية كتبتُ عنها في كلِ مرةٍ وكأنّها حُلُمٌ استفقتُ منهُ، ولكنني أستفيقُ فعلياً عليهِ، ومع ذلكَ أُشْعِرُ نفسيَ بِحُلُمٍ.

أربعُ سنواتٍ سابقةٍ مضتْ، وأنا في جنةِ الأرضِ بلا منازعٍ، في كلِ عامٍ أشدُّ رحاليَ إلى مسجدِ الأقصى، وَأُسْرِجُ قلبي بنورهِ وضيائهِ، أجددُ أحلاميَ وأمانيَّ بمعالمهِ، وأسافرُ بنفسي بعيدًا عنْ كلِ يأسٍ وقُنُوطٍ بأملٍ مما تَضمُّهُ تِكياتُه، ومحاربُه، وقِبَابُهُ وساحاتُه، وأسواقُه. أفتحُ عينيَّ بعدَ نومٍ عميقٍ تسكنُه كلُّ طمأنينةٍ على قبةِ صفراءَ ذهبية كتبتُ عنها في كلِ مرةٍ وكأنّها حُلُمٌ استفقتُ منهُ، ولكنني أستفيقُ فعلياً عليهِ، ومع ذلكَ أُشْعِرُ نفسيَ بِحُلُمٍ.

هي حقاً جنَّةُ اللهِ على الأرضِ لا ما عينٌ رأت، ولا أذنٌ سَمِعَتْ، ولا كلماتٌ تستطيعُ وصفَ العمقِ الذي تعطينا إياهُ برؤيتها. هو وجهتي الأولى، وَبَوْصِلتي إذا ضللتُ الطريقَ بلا منازعٍ، هو أدعيتي وحديثي الذي لم أحدِّثه حتى بيني وبيني، فيه أُخْرِجُ مكنوناتي ودواخلي، ينقلبُ سِحْرُهُ عليَّ فيَسْحَرُني؛ لأصبحَ أنا كما أولُ صرخةٍ لي في هذه الحياة.

كلُّ ما فيهِ يأخذُني مني إليَّ، وكأني في يوم البعثِ، يريدُ الإنسانُ النجاةَ بنفسِهِ دونَ تفْكير بغيرهِ إلا أنه في الأقصى بَعْثٌ لجميعِ منْ تُحب، تتذكرُ كلَّ من تعرفُهُم، وتتمناهُم لو كانوا معكَ في هذا المكان خرافيِّ الجمالِ، تستشعرُ رهبةَ الخشوعِ دونَ إدراكٍ منك.

حينما ترى أحدَهُم يصف عِشْقَهُ لهُ، ورباطَهُ فيهِ، وصنائعَه لأجلِه فتراهُ أكثرَ ثباتاً منكَ في حبِّه كان رَغَبًا أو نَصَبًا؛ تأخُذُكَ على حينِ غِرَةٍ عينٌ ما هيَ بغبطةٍ إنَّما غيرةٌ لتَحْسُدَهُ على ما أنعمَ اللهُ عليهِ، وكأنَّه فضَّلَهُ عليكَ واصطفاهُ. تتسلَّلُ أقدامُكَ إلى ساحاتِهِ وباحاتِهِ تَسَلُّلَ السارقِ الذي يتأهَّبُ حتى لا يفوتَهُ أيُّ شيءٍ ثمينٍِ.

في أولِ طلوعِ الشمسِ وضحاها، وغروبِها، ووقتَ الغسقِ والسَّحورِ، تبقى دائماً على أُهْبَةِ الاستعدادِ لتبقى مستيقظاً حتى لا يفُوتَك أيُّ شيءٍ من جمالهٍ في أي وقتٍ، تدورُ حولَ نفسكَ، وأنت تُرْهقُها لتلتقطَ صوراً لها من كلِ زاويةٍ في كلِ مرةٍ حتى تحفظَ تفاصيلَه، لكنَّك تجدُ نفسكَ في كلِ مرةٍ عاجزاً عن ذلك دونَ حيلةٍ.

فما وصلتَه بما مضى من عُمُرِكَ لم يكنْ يليقُ بهذهِ البركةِ التي تَحُفُك لأنه فيهِ، تمشي وتُظلِّلُ نفسكَ بظلِّه الممتدِّ، وتُحَلِّقُ روحكَ بروحانيتِهِ نحوَ القمةِ، يستوقِفُكَ فيه كلُّ سبيلٍ، وكلُّ مصلَّى وباب. تصلُ للجهةِ الشرقيةِ حتى بابِ الرحمةِ والتوبةِ، تقفُ مطولاً، يَشُدُّكَ نحوَه، يجذِبُكَ إليه، يأسِرك جداً، لا تَبْرَحُ حتى تبلغَ جمالياتهِ، تتسلَّلُ خِفيةً بعيداً عن أعينِ الحرّاسِ لترى ما بداخلهِ، وما يحيطهُ، يبدو لكَ شيئاً مختلفاً، تستشعرُ عُمْقَهُ، تتخذُه ملاذا للكتابة وتعيشُ نفحاتٍ من إلهام الغزَاليِّ في كتابهِ " إحياءُ علومُ الدينِ "

بَابَا الرحمةِ والتوبةِ قريبان من القلبِ بعيدا المنالِ، أصبحا الآنَ مفتوحان على مصراعيهِما، شوكةٌ تنغِّصُ عيشَ المُحتل. عن نفسي هو اليومُ الموعودُ عندما أذهبُ إليهِ، وأراهُ وأصلي في مُصَلاهُ بعدَ ستةِ عشرَ عاماً من الإغلاق. هو سرُّ الغزَاليِّ في الإلهامِ، وجوفٌ احتضن شهيدين منْ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوسٍ بنِ شدادٍ، وعبادةَ بنِ الصامتِ. هو وجهتي هذه المرةُ، و بَوْصِلَتي وحِصْني!