الثلاثاء 13 يونيو
بحكم عمري لدي أمراض عديدة حتى أني لا أمشي إلا بمساعدة العكاز، وصحتي ضعيفة، وقد بلغت من العمر السبعين ونيّف، ولكن ذلك لم يمنعني من حفظ القرآن، وسأظل أرتل القرآن حتى آخر لحظة في حياتي. أنا الحاجة خديجة البربراوي أم ضياء، من حلحول قضاء الخليل عمري 75 عامًا، حفظت القرآن كاملًا منذ بضعة أيام ولله الحمد من قبل ومن بعد.
بدأت رحلتي مع القرآن في الخمسينيات من عمري عندما عزمت أن آخذ إجازة في أحكام التجويد لأنني أقرأ القرآن يوميًا وباستمرار، ولكن أردت أن أتعلم قرآءته بالشكل الصحيح. ولذلك التحقت بحلقة التجويد في إحدى المساجد، وكانت الحلقة قد بدأت منذ شهور، ولكني استطعت أن ألتحق بإخواتي من أهل القرآن وأحصل على الإجازة في وقت وجيز.
بعد مرحلة التجويد عدت إلى حياتي الطبيعية المليئة بالمهمات اليومية المنزلية التي لا تنتهي، وبعد عدة أعوام عزمت على حفظ سورتيّ البقرة وآل عمران لما لهما من الفضل والخير على المسلم، والتحقت بحلقات الحفظ، ورويدًا رويدًا، وجدتني أحفظ من القرآن 5 أجزاء، وحينها أشارت علي معلمتي في التحفيظ أن ألتحق بامتحان الخمس أجزاء، وهكذا على مدار عشر سنوات بالصبر والهمة والعزيمة حفظت القرآن والحمد لله.
لم تكن رحلة حفظ القرآن سهلة، خصوصًا مع سني فإلى جانب الالتزامات المنزلية، صحتي الجسدية، وفايروس كورونا الذي منعني من وصول المسجد، وأيضًا إصابتي بفايروس كورونا الذي أنهكني كثيرًا حتى أني وصلت الموت، ومع ذلك كنت أقرأ القرآن، وأراجعه باستمرار ولا أقطعه أبدًا. وبعد مدة صارت تأتي معلمتي على المنزل، أو أذهب أنا لها في منزلها لإكمال طريق الحفظ.
ماذا أقول عن الداعمين، والله أكرمني بمحيط كله دعم وتشجيع، بداية بمعلماتي كلن باسمها وشخصها، اللواتي كن خير معلمات لي، وأدركت أنه لم يقل من قليل "كاد المعلم أن يكون رسولًا" فقد كن معلماتي خير معين لي وداعم، إحداهن كانت تأتي خصيصًا لي أنا فقط للمسجد لمراجعة الحفظ، حتى وإن كانت الظروف أو الطقس لا يسمح.
أما عن أسرتي فجميعهم أبنائي وزوجاتهم وبناتي كانو يعاونوني على الحفظ، ويساعدونني في الوصول لمراكز الحفظ ويهيؤون لي أجواء تساعد على الحفظ، حتى ابنتي الموجودة في الأردن كانت تتصل بي وتراجع لي عن بعض بصفتها محفظة.
ولا أنسى وقفة زوجي معي رغم أن صحته وحاله ليس بأفضل مني، وهو أيضًا بحاجة لزوجة تتفرغ له ولخدمته، ولكن كان هو من يخدمني وقت انشغالي في حفظ القرآن ويشجعني دومًا، ولا أسمع منه إلا كلمة التشجيع والدعم والحب دون أن يتململ لحظة.
اتبعت خطة حفظ القرآن عن طريق التفسير، فكنت أقرأ تفسير كل آية يستعصي علي حفظها حتى تسهل وأشارك بكل المسابقات القرآنية التي تتاح لي ليس لشهادات أو جوائز، إنما أخذها كفرصة لمراجعة القرآن. كثير من النساء اللواتي في سني كن يقلن لقد كبرنا في العمر، كيف لنا أن نحفظ القرآن، ولكن الفوز والوصول على قدر السعي وليس هناك شيء مستحيل.
وأدعو الأمهات والآباء لمتابعة أبنائهم من الصغير لحفظ القرآن، فالعلم في الصغر كالنقش في الحجر وأنا ألمس أثر هذه العبارة بشكل شخصي، فالسور التي كنت أحفظها في المدرسة وأنا صغيرة لا زلت أذكرها حتى اليوم، أما ما حفظته بالكبر يتفلت مني باستمرار إذا لم أراجعه باستمرار. سعادتي لا توصف في حفظ القرآن، حياتي أشرقت وأنارت، وكلي أمل أن أكون ألبست والديّ -رحمهما الله- تاج الوقار، حتى وأنا في هذا العمر، ولعلي أكون سبب في إنارة قبرهما.