بنفسج

قصتي.. إسراء براهمة

الأربعاء 05 يوليو

"احنا مكاننا برا السجون، ما انخلقنا حتى ننسجن لكنها فرضت علينا".. كان من المفترض أن يأتيني صبيحة العيد لأقول له بصوت هادئ: كل عام واحنا سوا ما يفرقنا احتلال ولا سجون". لكن أمر الله لا مرد له، شاء أن يُعتقل رفيق دربي قبل العيد بأيام، كنت سأحكي له عن ثوب زفافي وتفصيلته، كنا سنقضي العيد متحمسين لزفافنا الذي كان من المقرر أن يُعقد في الثامن والعشرون من يوليو، ولكن لم يأت كل شيء على هوانا فبعد اعتقاله أجلنا الزفاف لأجل غير معلوم.

"احنا مكاننا برا السجون، ما انخلقنا حتى ننسجن لكنها فرضت علينا".. كان من المفترض أن يأتيني صبيحة العيد لأقول له بصوت هادئ: كل عام واحنا سوا ما يفرقنا احتلال ولا سجون". لكن أمر الله لا مرد له، شاء أن يُعتقل رفيق دربي قبل العيد بأيام، كنت سأحكي له عن ثوب زفافي وتفصيلته، كنا سنقضي العيد متحمسين لزفافنا الذي كان من المقرر أن يُعقد في الثامن والعشرون من يوليو، ولكن لم يأت كل شيء على هوانا فبعد اعتقاله أجلنا الزفاف لأجل غير معلوم.

أنا إسراء براهمة خطيبة الأسير إبراهيم عابد والمعتقل إداريًا لمدة 4 شهور قابلة للتجديد،  إبراهيم، أو كما يعرف بين أهل بلدته "أبو العابد"، شابٌ عصاميٌّ طموح، حافظٌ لكتاب الله، ذو صوت ندي، دارسٌ للهندسة الصناعية في جامعة النجاح، تخرج حديثًا بعد أن تأخر عن دفعته نظرًا لاعتقالاته المتكررة لدى الاحتلال الإسرائيلي، كان يرى أن العلم لا قيمة له بلا عمل وتضحية وأن التخرج بشهادة في الهندسة ربما سيؤهلك لوظيفة، لكنها وحدها ليست بالشيء الذي تناله خلال سنواتك الأربعة أو الخمسة في الجامعة، فكان محبوبًا بين الوسط الطلابي معروفًا بخلقه وحسن معاملاته.

كنتُ أدرس الهندسة كذلك ويكبرني بأربعة سنوات، مررت على اسمه مرات عدة -في منشورات على المجموعات الطلابية في ذكر اعتقاله- مرورًا عابرًا، لم يخيل لي مرة أني سوف أكون جزءاً من حكاية اعتقاله الأخيرة ولن يكون المرور هذه المرة سهلًا كما السابق! أنا مثل قريناتي في سني لم أكن أرى أن الارتباط خلال الدراسة خيارًا موفقًا، إلا أن بعد ارتباطي بإبراهيمَ لمست في شخصيتي وحياتي تغيرًا إيجابيًا لا كما كنت أظن. في جلستنا الأولى أُعجبت بفصاحة لسانه ورجاحة عقله وبساطته، إذ كان يعطي كل سؤالٍ أطرحه جوابًا واضحًا بلا تكلف.

مر على خِطبتنا ثمانية شهور ولمَ أر منه إلا حسن الخلق ولين الجانب، كان شعاره في الحياة "كل الأمور سهلة وكل معضلة ولها حل". لأخبركم عن يوم الاعتقال، في السابع عشر من الشهر الجاري توجهنا بعد الغروب في طريقنا نعد ما تبقى علينا حتى يكون البيت جاهزًا، وإذ 

بحاجز حوارة في ذلك الوقت مغلقًا، قلت له حينها لنرجع، أبى إلا أن يمر من طريقٍ التفافية ماضٍ إلى قضاء الله وقدره، حين دخلنا حوارة قوبلنا بحاجز طيار أوقفنا ووقفنا نصف ساعة ننتظر منهم كلمة، ماذا يجري؟ الجواب كان في ذهنِ كلٍ منا "إنه حتمًا اعتقال" ، إلا أننا تجاهلنا هذا الصوت وتشبثنا ببصيص من الأمل، ربما تفتيش عابر! حتى جاءت سيارة المخابرات الإسرائيلية فأخذته وأنهت الحيرة، وحكم عليه لاحقًا بالاعتقال الإداري.

رغم أن اعتقاله في هذا الوقت تحديدًا كان صادمًا لكلينا، إلا أن هذا قدرنا وعلينا أن نرضى. إبراهيم كان يوصيني بالصبر والرضا، كنا نحبُ أن نستمع لأناشيد بلال الأحمد، إلا أني طلبت منه في ذاك اللقاء "أي الأخير" أن يتلو على مسمعي آياتٍ من القرآن فاختار سورة يوسف!  لم أقض إلا عيد واحد مع إبراهيم، أذكره في العيد بحيويته وبتلبيته لشعائر الله بصدق وبحب، واصلًا رحمه رغم طول الطريق والمسافات. أما أيام العيد هذه قد افتقدته أنا وافتقده كل محبيه.