السبت 08 يوليو
"تعالوا يا ولاد بسرعة بغرفتي آمن مكان بسرعة".. كان من المفترض أن أخلد أنا وعائلتي للنوم ليلة بدء العدوان الإسرائيلي على جنين، لكن عم صوت الانفجارات فجأة والرصاص الحي وإذ بي أرتجف على أبنائي، وابني صاحب العشر أعوام يرتجف من خوفه.
أنا عريب مقبول أقطن في حي الزهراء الملاصق لمخيم جنين، كنا في قلب الحدث شاهدين على كل صوت يدب في المخيم الصامد، نرى الجيش وهم يتسللون نحوه من خلال حيَّنا ويتمركزون عندنا، في العمارة الملاصقة تتمركز القناصة وهذا بث الرعب في قلبي أكثر.
حمدت الله كثيرًا أن ابني البالغ من العمر 4 سنوات ونصف لم يكن في المنزل وسط هذا الجنون الذي يرتكبه الاحتلال بحقنا، تركته برفقة شقيقته في نابلس حيث جدته، وإلا كانت ستسوء حالته في ظل الأصوات المرعبة التي تدك المخيم.
نعم لقد عشت اجتياح 2002 ولكني كنت فتاة جامعية وقتها؛ أذكر الخوف وقتها جيدًا، لكن الآن الأمر أصعب عليَّ، أصبحت أمًا وقلبي يغلي بمجرد التفكير أن يصيبهم خدش صغير، بت أكثر توترًا في مثل هكذا أجواء، أطبطب على أبنائي وأبث لهم كلمات الأمن ولكني أعلم جيدًا أن الجيش سيداهمنا في أي لحظة.
لم أخف على نفسي بقدر ما حملت هم أولادي، الذين يقفون على النافذة بين الفينة والأخرى ليتابعون ما الذي يحدث بالخارج، وإذ بالجيش يتمركز في ساحة العمارة التي نقطن بها، وقتها قلت: "رح يجيوا يفوتوا عنا". جلست بجانب أبنائي أنتظر وطلبت من ابنتي أن ترتدي حجابها فورًا. وإذ بالجيش يغادر وأصوات الانفجارات والرصاص تدك المكان كله، ووابل من الرصاص يسقط في العمارة المقابلة لنا.
كنت أخاف أنا أنام ليلًا، في أول يوم انقطع التيار الكهربائي عنا فكانت ليلة مرعبة، ثم عادت بعد ساعات، أما المياه فهي مقطوعة حتى اللحظة بسبب تدمير الجيش لكل الشارع الذي نقطن به، وبذلك تدمرت البنية التحتية كاملة. انسحب الجيش وبقينا نحن مع آلامنا نحاول أن نحيا من جديد، وستظل جنين الحرة كما هي قوية شامخة في وجه أي عدوان يطالها.