السبت 08 يوليو
منذ بداية العدوان الصهيوني المُباغت على مدينة جنين ومُخيّمها بدأت الجهود المكثفة من الدفاع المدني للتوصّل لكافّة المعلومات وآخر المستجدّات حول الأوضاع الدائرة في المنطقة.. وكان لا بد من محاولات متعددة للدخول إلى المنطقة المُحاصرة لتأدية الواجب الإنساني الوطني الذي يقع على عاتقنا، إذ تتركز مهام الدفاع المدني في الدخول إلى الأماكن المحاصرة بغرض التفقّد وتأمين وسائل إطفاء الحرائق، وتنظيم عمليات الكشف عن القنابل والألغام أو أي جسم مشبوه، إضافة إلى محاولات لطمأنة المواطنين وإشعارهم بنوع من الأمان، فضلا عن توعيتهم بعدد من الأمور الهامة إذا ما استمر الحصار فترات أطول.
كمتطوع مدني في الدفاع المدني.. منذ اليوم الأول للعملية ونحن نحاول الدخول لمكان الحدث لكن صعوبة الموقف وإغلاق الطرق وتأزّم الحالة حال دون ذلك.. ولم نتمكّن من الدخول إلا في اليوم الثاني من إحدى الطرق الإلتفافية .. منذ اللحظة الأولى التي دخلت بها المكان اندمجت سريعًا مع فريق العمل وشاركت بالأحداث وأول المهمات الإنسانية لي مع الفريق داخل مخيم جنين كانت وسط اشتباكات وقصف عنيف.. مع محاولات مستمرة من الجيش لمنعنا من تقديم خدماتنا بإطلاق الرصاص وإخلائنا من المنطقة..
ومع ذلك استمر الفريق بتقديم أقصى طاقة ممكنة رغم كل المخاطر المحدقة بنا، مهمّتنا الأساسية كانت تتركّز في الإطفاء لكن لم تتوقف عليها، إذ قمنا بإخلاء وإجلاء العائلات التي أرغمت على ذلك قصرا تحت التهديد، وسارعنا بتفقّد المنازل الخالية من ساكنيها لضمان الأمانات من نقود وذهب لمنع يد العدو أن تطالها.
وفي الوقت الذي خرجت به أعداد من سكان المخيم خارج بيوتهم بقي القسم الأكبر الذي أبى الخروج وترك المكان فساهمنا بإيصال المساعدات الإنسانية للعائلات رغم الاستهداف الكامل والمباشر. الجيبات العسكرية للاحتلال كانت تحاول دائمًا قطع الطرق علينا ومنعنا من الوصول، على الرغم أن الدفاع المدني يمتلك حصانة إنسانية لكن ذلك لم يمنع ممارساتهم اللاإنسانية بحقنا، ومحاولاتهم الواضحة والمستمرة لعرقلة سير عملنا.
لم نسلم من خطر العبوات الناسفة التي تناثرت بشكل واسع في محيط المكان ويُمكن أن تنفجر في أي لحظة، سواء أكانت عبوات من الجيش أو كمائن من المجاهدين أنفسهم فالخطر كان محدقا بنا من كل جانب. من المواقف التي أذكرها، أثناء بحثنا في أزقة وشوارع المخيم عن أي إصابة أو حريق، صادفتنا مُسنّة عائدة إلى بيتها لإحضار الدواء لزوجها.. المُسنّة لم تتعرّف على بيتها وسط هَول الموقف والفزع والبكاء الذي كان يسيطر عليها.. فلم نتركها إلا بعد تأدية غرضها وإيصالها لبر الأمان.
وفي وسط الأزمة، وشدة الموقف، والدمار الواسع، والبنية التحتية المُتهتّكة، وظروف الحصار من انقطاع الكهرباء والماء منذ ساعات طويلة إلا أن المعنويات كانت عالية، ولم يرفع من معنوياتنا إلا شباب المخيم أنفسهم، وكانت على لسانهم عبارة (كله فِدا المقاومة).