الأربعاء 12 يوليو
"معاذ سجل هالمرة الأولاد التلاتة ليفوتو عندك".. بهذه الجملة بدأت مكالمتي مع معاذ، في بداية شهر أيار الماضي، رد عليَّ "طلعلك تصريح يا عرين، بطلتي ممنوعة ومرفوضة".
أنا عرين لحام زوجة الأسير معاذ اشتية، الذي فارقته في بداية زواجنا حين اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي، تزوجنا منذ 9 سنوات لكنه لم يقض معي إلا عامًا واحدًا بشكل متفرق، لم ير طفلنا بلال أو بلبل كما نحب أن نسميه، ومريم كان لها حظًا للقاء بوالدها لحظة الولادة، أما مسك لم تلتق به، لم نعش أنا ومعاذ كما ينبغي لم يران وأنا حاملًا، في اعتقاله الأخير لم أره في الست شهور الأولى من الاعتقال بحجة المنع الأمني، وبعد محاولات عديدة لرفع المنع المشدد رُفع أخيرًا، وتمكنت من رؤية معاذ برفقة أطفالنا الثلاث، جاء اليوم الذي تمنياه كثيرًا ودربت بناتي عليه، سنرى والدكم يا بنات فللنطلق نحو الطريق الطويل إلى سجن النقب.
جلسنا في قاعة الزيارة ننتظر معاذ ليأتي، ولكنه تأخر قليلًا وبدأ الرعب يدب قلبي وأنا أحاول التماسك والصغيرتين يرددن: "يعني معقول ما يجيبو بابا، بدنا بابا يا ماما". أدركت وقتها أن كل جهودي وتعبي مع البنات في غياب والدهم في جعله الشخص الأفضل والأحب لهم وفارسهم وسيد قلوبهم لم تذهب سدى. قاطع تفكيري ظهور معاذ وفرحته لا تسعه، وعيونه تلمع، سيرى أطفاله الثلاثة مجتمعين معًا، سنجتمع كعائلة سعيده وإن كان من خلف زجاج عازل.
ترقرت الدموع في عيونه فور رؤيته "الصغير المنتظر منذ سنوات بلال، ها هو يراه وجهًا لوجه للمرة الأولى، أخفاها بحديثه مع الأميرات الصغار عن مواضيع عدة، كانت زيارتنا خمس وأربعون دقيقة، خمس وثلاثين دقيقة من خلف الزجاج ومعاذ ومسك ومريم يتحدثون وأنا فقط أشاهد وأسمع، خمس وثلاثين دقيقة ومعاذ عيناه على أطفاله يلاعب بلال تاره ويسأل مسك تاره، ويدلل مريم تاره أخرى، والعشر دقائق الأخيرة كانت الأجمل، ففيها سيدخل الأطفال إلى حضن والدهم دون أي حواجز، حملت مسك شقيقها الصغير ودخلوا إليه، أمسك معاذ طفله بلال وأدركت أنه مرتبك لا يدرى كيف يحمل صغيره صاحب الأربعة أشهر، احتضنه برقة ومسك ومريم تمسكان طرف قميصه "إحنا هون يا بابا".
كانت لمعاذ دقائق احتضان صغاره كيوم العيد، ووقود وطاقه لشهور لا نعلم عددها، معاذ الذي حرم من رؤية أطفاله يولدون، ويكبرون أمامه، يلعبون، ويمرضون، كانت هذه الدقائق له خير من الدنيا وما فيها.
أروى لكم هنا مواقف قليلة من حكايتنا وأنا أعلم جيدًا أن هناك من يعيش الحزن ذاته بل وأكثر، أروي التفاصيل لكي لا تنسوا الأسرى من صالح دعائكم فرج الله عنهم وعنا.