بنفسج

هل قراءة الروايات مضيعة للوقت؟

الثلاثاء 18 يوليو

هل قراءة الروايات مضيعة للوقت؟
هل قراءة الروايات مضيعة للوقت؟

بتنا نسمع كثيرًا في الأونة الأخيرة أن قراءة الروايات لا يُرجى منها سوى التسلية وإمضاء الوقت فـ هل قراءة الروايات مضيعة للوقت حقًا، وقراءتها موضة تتصاعد، وسرعان ما يقل صداها بين الناس. وأيضًا يؤخذ العمل الروائي بنظرة دونيّة وسطحية، ويُعتبر عملًا ركيكًا لا يرقى إلى مستوى الكتاب العادي، كما يتعرض قرّاء الرواية لسخط وهجوم وسخرية من قراء الكتب لأنهم يعتقدون أن قارئ الرواية لا يرقى مستوى عقله إلى الكتب العظيمة ذات الفائدة والمعلومات القيّمة، ولا تتخطى قدرته أكثر من الرواية بمضمونها ونمطها الدونيّ. فأحببت في هذه المدونة أن أجيب عن السؤال الذي اخترته عنوانا لها، بناء على معلومات جمعتها أو أعرفها باعتباري قارئة جيدة للروايات .

الرواية نوع من أنواع القصص، وهي عمل أدبي إبداعي سردي يتضمن قضية مركزية يتناولها الكاتب، ويسلط الضوء عليها من عدة جوانب مستعينًا بعدد من الطرائق والتقنيات السردية المتعددة، حاصرًا الحدث غالبًا في زمان معين ومكان محدد، موظفًا شخصيات رئيسة أو ثانوية ليعرض من خلالها الأحداث وليتخذها أحيانًا عكازًا يتكئ عليه في إبداء آرائه وقناعاته، فتكون لسانًا يتحدث الكاتب من خلاله. وهذا المفهوم المبسط السريع للرواية مشابه إلى حد كبير القصص القرآني.

ولو لم يكن الجانب القصصي من أنجع وسائل التعلم، وأقربها للعقول والقلوب، وأكثرها تأثيرًا في النفوس، لما جعلها الله عز وجل حاضرة بشكل واضح ومكثف في كتابه العزيز . فمثلًا قصة يوسف عليه السلام ذكرت في القرآن الكريم بسورة منفصلة حملت اسم يوسف، إذ شكلت قصة ناضجة متكاملة أقرب ما تكون للرواية بمفهومها المتعارف عليه.

أجيب هنا على سؤال هل الروايات مضيعة للوقت؟ لو لم يكن الجانب القصصي من أنجع وسائل التعلم، وأقربها للعقول والقلوب، وأكثرها تأثيرًا في النفوس، لما جعلها الله عز وجل حاضرة بشكل واضح ومكثف في كتابه العزيز . فمثلًا قصة يوسف عليه السلام ذكرت في القرآن الكريم بسورة منفصلة حملت اسم يوسف، إذ شكلت قصة ناضجة متكاملة أقرب ما تكون للرواية بمفهومها المتعارف عليه. 

 وأيضًا قصة موسى عليه السلام التي ذكرت في غير موضع في القرآن الكريم. مرورًا بقصة ملكة سبأ وسليمان عليه السلام، وقصة الخضر مع موسى عليه السلام، وقصة أصحاب الكهف، وغيرها من الأسلوب القصصي الذي استحوذ على مساحة واسعة في القرآن الكريم.


اقرأ أيضًا: إجابات متعددة لسؤال: لماذا نقرأ الروايات؟


بعد كل الأمثلة هل قراءة الروايات مضيعة للوقت؟ أجيب بلا وأؤكد أنه ليومنا هذا لا زالت مسرحيات شكسبير، وبعد مرور عقود من الزمن حاضرة في أذهاننا ومقرراتنا الدراسية، ولا زالت شخصية أم سعد التي كوّنها كنفاني نراها في كل أم فلسطينية، ورضوان الحسيني وسنية العفيفي التي رسمها نجيب محفوظ في زقاق المدق، وصفية التي أتقنها كنفاني أيضًا في ملحمته عائد إلى حيفا، ورجب الشخصية التي ستبقى ماثلة في وجداننا بتعبيرها عن كل معتقل سياسي في أي بقعة عربية في رائعة عبد الرحمن منيف في شرق المتوسط، والربط بين بلال الطفل الضعيف المريض وبلال الحبشي المسلم الشجاع في شيفرة بلال، والأمثلة تطول. 

كما تعد الرواية، إذا أُخذت من كاتب ثقة، إرث تاريخي ينقل لنا التاريخ بأحقابه الزمنية المختلفة، فتسافر برحلة حول العالم مع محمد حسن علوان في (موت صغير)، وترتبط بأجيال وعقود توضح أحداث فلسطين منذ الانتداب البريطاني مع رضوى عاشور في (الطنطورية)، وتسافر مع أيمن العتوم إلى حقبة زمنية مرعبة في مصر لتتعرف على أفظع الأحداث التي حصلت فيها في (مسغبة).

إن الإنكار للعمل الروائي غالبًا حاصل لمجرد الرغبة في الإنكار وتقليل الشأن دون الاستناد على حجج وأسباب مقنعة. ولا أقول أن كل رواية نافعة تنضح معرفة وقيمة؛ إذ أن عددًا من الكتّاب ركبوا الموج وأسفرت تجربتهم عن روايات ركيكة ومحتوى فارغ وعناوين رنانة في الأسواق ليس لها من الرواية شيء تفتقر للسرد القوي والمفردات الرصينة والتقنيات الجيدة المترابطة.

إن الإنكار للعمل الروائي غالبًا حاصل لمجرد الرغبة في الإنكار وتقليل الشأن دون الاستناد على حجج وأسباب مقنعة. ولا أقول أن كل رواية نافعة تنضح معرفة وقيمة؛ إذ أن عددًا من الكتّاب ركبوا الموج وأسفرت تجربتهم عن روايات ركيكة ومحتوى فارغ وعناوين رنانة في الأسواق ليس لها من الرواية شيء تفتقر للسرد القوي والمفردات الرصينة والتقنيات الجيدة المترابطة، وكما يوجد روايات بلا قيمة ينطبق ذات الأمر على الكتب، فكم من كتاب فلسفة لا يحمل من الفلسفة إلا اسمها، وكم من ديوان شعر نظمته الأيدي لا القلوب، وكم كتاب في النثر أو الأدب أو التنمية لا يُسمن ولا يُغني من جوع.


اقرأ أيضًا: في التاريخ والهوية والقضية... 5 روايات تحكي فلسطين


فلنجيب على سؤال هل قراءة الروايات مضيعة للوقت؟ ببساطة أي عمل تقرؤه قد يكون مضيعة للوقت بلا أي فائدة ترجى طالما الاختيار خاطئ من البداية؛ فالاختيار الجيد للكاتب الجيد يتوقف عليه وقوع الفائدة المرجوة للقارئ. والرواية لها ميّزة خاصة عن بقية الأعمال الأدبية، وهي إمكانية القارئ أن يغرف من قدرات الكاتب واستخدامه الصحيح للتقنيات السردية والتلاعب بها وتطويعها بشكل يخدم العمل الإبداعي، والاستفادة من طريقته في استخدام الوصف والمحسنات اللفظية والإبداعية، والاستزادة من رصيد مفرداته وألفاظه؛ فنجد الرواية تعيدنا إلى لغتنا الأم بطريقة ما.