الثلاثاء 01 اغسطس
على أعتاب المخيم تصرخ عجوز فلسطينية عاشت عذابين لم يكونا في حُسبان عمرها..مرةً في طفولتها ومرةً عند الكبر..عُمرًا كان من المفترض أن يكون عودتها الأخيرة إلى بيتها الذي قد يكون مُطلاً على شاطئ بحر عكا أو يافا أو صفد، بيتها الذي تركته قسرًا وصار ثكنة عسكرية، وزيتونها الذي صار زيته دمعًا ودمًا، وإلى سمائها الأولى التي تحولت سجنًا.
بلاد بمداد الشمس وباتساع السماء..هذي البلاد! كيف اتسعت لنكبتين! لشهيدين وأكثر، لاجتياح وتهجير ودمار وسجون ومعتقلات وضاق فيها الفرح والأمل وحلم العودة..وسُرِقَ فيها من كل فلسطيني تحويشة صبرٍ طويل في حصالة طفلة بعمر الورد.
لكن أينفذ صبر الفلسطيني؟! الذي ما إنّ انتهى من بطولةٍ بدأ بأخرى يُقبل في كل جولاته باسمًا روحه على كفه في كل بقعة يعيش عليها..ويرحل ثائراً مستبشرًا بنصر قريب ..أينفذ صبر الفلسطيني! الذي يتحدى قذيفة بحجر ..ولا يخشى سوى من تعب من يأت بعده ولا يُكمل المسير...أينفذ صبره ذاك الفلسطيني المشتبك! الذي يُطل من نافذة صغيرة في مخيم وبيده نداء رصاصة وفكرة حية لا تموت وإن سقط الجسد...نافذة بها ترى أم الأسير ابنها شمسًا قريبة وبها يرى الأسير شمسه حريةً وحياة يستحقها.
"إننا هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون" بضع كلمات لكنها في قاموس الفلسطيني ميثاق غليظ فهي وثيقة شرف في قاموس الشهيد وناقوس أمل وحلم بالعودة في قاموس اللاجئ..وميثاق حياة في قاموس الفلسطيني الذي يقاتل من أجل لقمة عيشه ويجاهد للبقاء على أرضه. "هالفرح رح يملى المكان، ورح يوسع صدورنا والمدى ..رح يحلى بضحكة أطفالنا الزمان".
البلاد حتى في خرابها تبقى جميلة، تبقى تُحبها، تُحب فيها قامة زهرة وحيدة شامخة مقابل زهور عابسة في مدينة كبيرة، تُحب فيها دموع الفرح في عيني طفل نجا من الموت وحظيّ بعالمه من جديد مقابل دموع الفرح في عيني طفل آخر سُرّ لإحراز لاعب هدفاً أخير في مباراة كأس العالم..تبقى تُحب فيها انتصارك رغم حزنك على ما فقدت من أرواح بذلوا الغالي والنفيس من أجل أن تعيش البلاد.. تبقى تحبها حتى في خرابها الأخير.