إذا سألت أحدهم عن أجمل أيام حياته سيخبرك غالبًا عن أيام الدراسة، مستذكرًا لحظاته مع أصدقائه؛ الخروجات والفسح والأيام الممتعة، وسيختتم قوله بـ "ما كان الواحد عنده مسؤوليات أيامها انبساط وونس"، ولكن سيبهت السائل، ويقول، ولكن ماذا عن الدراسة؟ لا يستذكر الطالب أيام التوتر والقلق الذي عاشه في فترة الاختبارات والواجبات والمشاريع، على الرغم من أنها كانت مضاعفة، بسبب ما كان يمارسه الطالب على نفسه من ضغط مضاعف نتيجة تأجيله كل المهمات لأقصى وقت متأخر ممكن، ويؤخر فيه الإنجاز والعمل.
تجارب الطلاب في "الزنقة"
تقول الطالبة بر حسام، وهي طالبة في السنة الثالثة في كلية الشريعة، أنها دائمًا ما تؤخر أي مهمة دراسية حتى اللحظة الأخيرة، فمثلًا إذا كان لديها اختبار يوم السبت، ستبدأ بدراسته يوم الخميس أو الجمعة. على نفس المنوال تتصرف زميلتها تسنيم شتيوي التي تقول، إنها في كل مرة تفعل نفس الأمر.
وعن الأسباب التي تدفعهم للتأجيل المستمر تقول الطالبة مريم كمال، وهي طالبة دراسات عليا: "تراكم المهمات والضغط يقودني دومًا للتأجيل، وأحيانًا الاستهانة بزخم المهمام والاعتداد بقدراتي، والتذرع بما يسمى الضمير الدراسي الذي يأبى أن يستيقظ حتى اللحظات الأخيرة".
لا بد بأنك مررت بمثل هذا الأمر، قليلون هم الذي يؤدون مهماتهم الدراسية في وقتها وبشكل منظم؛ فالأغلبية كانوا وما زالوا، حتى في وظائفهم اليوم، في حال أنهوا دراستهم، يؤخرون أداء المهمات حتى اللحظة الأخيرة، معربين عن ندمهم، وأن هذا الأمر لا يتكرر، في حين أنهم يعيدون الكرة ذاتها. أنا لا أفند هذا الأمر بناء على تجربتي الشخصية وحسب، بل كثر من الطلبة الذين أجريت استطلاع في هذا الأمر من خلالهم، أجمعوا على ذات الفكرة في غالبيتهم.
فتقول الطالبة بر حسام، وهي طالبة في السنة الثالثة في كلية الشريعة، أنها دائمًا ما تؤخر أي مهمة دراسية حتى اللحظة الأخيرة، فمثلًا إذا كان لديها اختبار يوم السبت، ستبدأ بدراسته يوم الخميس أو الجمعة. على نفس المنوال تتصرف زميلتها تسنيم شتيوي التي تقول، إنها في كل مرة تفعل نفس الأمر مع أنها في خضم الضغط والدراسة تشعر بالندم، وتعاهد نفسها أن لا تعيد الكرة، ولكن لا حياة لمن تنادي.
وعن الأسباب التي تدفعهم للتأجيل المستمر تقول الطالبة مريم كمال، وهي طالبة دراسات عليا: "تراكم المهمات والضغط يقودني دومًا للتأجيل، وأحيانًا الاستهانة بزخم المهمام والاعتداد بقدراتي، والتذرع بما يسمى الضمير الدراسي الذي يأبى أن يستيقظ حتى اللحظات الأخيرة، وبالتالي كل هذا يقود إلى تراكم المهمات، ما يدخلني في ضغط نفسي وجسدي كبيرين، وندم وقلق وجهد عقلي مضاعف ومرهق".
اقرأ أيضًا: تفريغ الضغط النفسي: من يطرق باب الخزان؟
وتضيف على هذه الأسباب الطالبة الجامعية نداء سلامة، وتقول: "مخي ما بشتغل خير بس يحس الزنقة"، أي أنها لا تستطيع الدراسة إلا تحت الضغط، وهو أمر يلازمها منذ أن كانت في المدرسة وليس في الجامعة فقط. وتحدثت مع 10 من الطلاب 8، أجمعوا على أنهم يدرسون تحت ضغط الأيام الأخيرة، تحت ذريعة الأسباب التي ذكرتها عبر بعضهم سابقًا، واثنين فقط من يدرسون بشكل منظم ومبكر حتى يظل لهم وقت زائد يراجعون فيه المادة.
ولكن ما السبب الذي يدفع الطلاب لتأخير المهمات ومراكمتها، وهل هذا أمر جاء على سبيل الصدفة؟ ما يقوم به الطالب يندرج تحت متلازمة تسمى متلازمة الطالب التي قدمها للمرة الأولى الرؤائي الياهو جولدرات في روايته "سلسلة حرجة". أجرى فيها مقارنة بين الطلاب الذين أجلوا أنشطتهم التعليمية حتى الموعد النهائي، وأعضاء فريق مشروع يفعلون الشيء نفسه، في ما يتعلق بمهمات المشروع، لأنهم يعتقدون أن لديهم وقتًا كافيًا للقيام بكل شيء. ونتيجة لذلك، فإنهم يضيعون الوقت الذي قد يكون ضروريًا لإنجاز المشروع أو المادة الدراسية.
تأثير المتلازمة
يعرض الرسم البياني الجهد الذي يبذله الطالب لأداء مهمة، والوقت الذي يحتاجه هذا النوع من النشاط. توضح المسافة بين الخطوط المتقطعة، الوقت المخصص لأداء المهمات، أو بعبارة أخرى مدة المهمة التي تبدأ من اليمين وتنتهي في اليسار، وكما يتضح من الصورة يبذل أقصى جهد في إكمال المهمة قبل الموعد النهائي. بدلاً من بدء العمل في اليوم المحدد، وأخذ كل الوقت المخصص، وتخصيص جهود الفرد بطريقة متدفقة بسلاسة، فإن الشخص العادي يماطل حتى اللحظة الأخيرة، ويبذل قصارى جهده حتى لا يفوته الموعد النهائي عندما يكون قد مضى وقتًا طويلاً بالفعل، والذي كان قد ضاع. تعد متلازمة الطالب جزءًا أساسيًا من دورة حياة أي مشروع، وقد تكون بمنزلة أحد قيود المشروع.
في النتيجة تؤثر هذه المتلازمة على وقت تسليم المهمة أو أداء الامتحان، وإذا كان لدينا عدد من المهمات المترابطة على التوالي، فإنها تؤثر على السلسلة بأكملها. إذا لم تكتمل المهمة السابقة في الوقت المحدد، فلا يمكن بدء المهمة اللاحقة. وبالتالي، يتأثر المشروع بأكمله نتيجة لذلك.
ثانيًا تؤثر هذه العملية على طالب نفسيًا وجسديًا؛ فالتأجيل لا يعني أنه بغفله عن المهمة التي يجب إنجازها، بل يظل في حالة ضغط وتأنيب ضمير وقلق مستمر، مع العلم أن المهمة بالفعل لا تحتاج لوقت طويل، ولكن التأجيل الميتمر والتمديد، يؤدي إلى قلة إنتاج بسبب الهروب الدائم من الاطلاع على المادة في الأساس.
أسباب المتلازمة
وبالحديث عن الأسباب، شرحت لنا الأخصائية النفسية دعاء حميد عدد من الأسباب العلمية التي تؤدي الطالب إلى متلازمة الطالب نسردها، كالآتي:
| أولًا: أولويات غير واضحة: عندما يكون للطالب الكثير من المهمات المترتبة عليه، وليس لديه أولويات واضحة، فإنهم يرتبونها فقط بناءً على رؤية شخصية. وإذا لم تكن لديه فكرة عن المهمة التي لها الأولوية القصوى، فمن المحتمل أن يماطل. مثل هذا النهج مدمر لكامل المهمات؛ لأنه لا يمكنك أداء المهمات وفقًا لرغبتك الخاصة. يتكون أي مشروع من سلسلة من الأنشطة المترابطة ذات الأولويات الصارمة. لذلك إذا كنت ترغب في إنهاء مشاريعك بنجاح، فكر في تحديد الأولويات عبر الاطلاع عليها مسبقًا بشكل شامل.
| ثانيًا: الكسل: أن تكون كسولًا وتفضل الراحة بدلاً من العمل هو جوهر الطبيعة البشرية. من ناحية أخرى، هذه عادة وليست سلوكًا فطريًا. يمكن استفزازها لعدد من الأسباب. يشعر بعض الناس بالكسل لبدء عملهم لمجرد أنهم يرون أنه صعب جدًا أو ممل. يمكن أن يكون نتيجة إلى غياب الدافع أيضًا. يمكن للآخرين المماطلة، لأنهم يعتقدون أنهم لن ينجحوا ويتحجج الطالب، في النهاية أنه لا يستطيع الدراسة حتى يشعر بالزنقة كما يصف كثيرون.
| ثالثًا: الحمل الزائد وتعدد المهمات: تعدد المهمات يمكن أن يخلق الكثير من الصعوبات للطالب ويؤثر سلبًا على كفاءته. يحدث تعدد المهمات عندما يكون لدى الشخص الكثير منها، ويكرس وقته وجهوده لمن لديهم أولويات منخفضة دون أن يدركوا ذلك.
اقرأ أيضًا: متلازمة انتظار بدء الحياة... وفقدان "الآن"
| رابعًا: الغموض وعدم الوضوح: يؤجل الشخص إنجاز واجباته لمجرد أنه لا يفهم تمامًا ماذا ولماذا وكيف ينبغي أن يفعلوا. غالبًا ما يكون هذا سببًا لعدم ا|لانتهاء من المهمات في حدود الوقت.
| خامسًا: صعوبة المهمات: يرتبط هذا العامل ارتباطًا وثيقًا بالعامل السابق. إذا كان تعقيد المهمة لا يتماشى مع كفاءة الطال، فمن الواضح أنه سيؤجل إلى آخر لحظة. يتعلق الأمر بالسلوك البشري مرة أخرى. لا يحب الشخص حقًا تعقيد حياته: وسيحاول أن يكون لديه "رحلة سلسة قدر الإمكان" قبل الوصول إلى تلك المهمات المعقدة. في علم النفس، الكلمة الأخرى لمتلازمة الطالب هي التسويف. غالبًا ما يماطل الناس بسبب الخوف من الفشل في إكمال المهمة.
| سادسًا: البيئة المحيطة: يحاط الطالب أحيانًا بعض العوامل التي يؤدي به في النهاية لمتلازمة الطالب مثل الظروف المجتمعية، أو بعض المشاكل الأسرية التي تؤثر على نفسية الطالب، مما يجعله يرى الدراسة غير مهمة، ولا تستدعي أن تكون أولوية. من جانب آخر قد يحاط الطالب ببعض الأصدقاء الذين يتخذون التسويف، وتأجيل المهمات منهج حياة فيتبع الطالب لهم.
كيف نتغلب على متلازمة الطالب؟
نلاحظ أن بعض الطلبة رغم دراستهم في اللحظات الأخيرة، وتأجيل المهمات قبل الموعد النهائي بقليل، فإنهم ينجحون، والبعض يتفوق فكيف يحصل ذلك، تقول الأخصائية عبد الحميد "إن هذا الأمر لا يفلح دومًا؛ فالأمر مرتبط نوع المادة، وعادة ما يفلح هذا الأمر مع المواد التي تحتاج حفظ أكثر من الفهم والمشاريع العملية، وذلك مرتبط بالذاكرة البشرية التي تسح بالتذكر في حال عُبأ بالمعلومات قبل وقت قصير من الامتحان".
بعد الحديث عن الأسباب عرجت الأخصائية دعاء عبد الحميد للحلول حيث تقول: "الحلول من جنس الأسباب؛ فالموضوع برمته ينتج كما ذكرنا سابقًا عن عدم ترتيب الأولويات والتسويف، لذلك يجب على الطالب ما يلي:
| أولًا: إلقاء نظرة مسبقة: على الطالب أن يتطلع على المهمات المترتبة عليه ربما لا تحتاج وقت بالفعل، ويمكن تأجيلها إلى النهاية، وبهذا الشكل يمكنه تحديد كم من الوقت الفعلي تحتاج كل مهمة، دون أن يعيش في توتر وقلق حتى اللحظات الأخيرة، وهو يجهل ما يترتب عليه.
| ثانيًا: ترتيب الأولويات: هذا النقطة ترتبط ارتباط وثيق بالنقطة السابقة؛ فبعد الاطلاع يترتب على الطالب ترتيب مهماته من الأهم، للأقل أهمية حتى لا يجد نفسه في النهاية مع كومة من المهمات التي لا يستطيع إنجازها.
| ثالثًا: الروتين: على الطالب أن يخلق روتين خاص به، ويدرب نفسه على النشاط وعدم التسويف، لأن في ذلك المنفعة له في البداية والنهاية.
| رابعًا: اطلب المساعدة: في حال كانت المهمات صعبة، وهو أمر سيتضح بعد فحص المواد على الطال أن يطلب المساعدة، ولكن يرتبط هذا الأمر بالتوقيت؛ فطلب المساعدة في اللحظات الأخيرة لن يجدي، ولن يكفي زمانيًا للحصول على المساعدة المرجوة.
اقرأ أيضًا: دفء النعم: ماذا يعني أن تكون ممتنًا؟
رغم متلازمة الطالب يتفقون .. كيف؟ نلاحظ أن بعض الطلبة رغم دراستهم في اللحظات الأخيرة، وتأجيل المهمات قبل الموعد النهائي بقليل، فإنهم ينجحون، والبعض يتفوق فكيف يحصل ذلك، تقول الأخصائية عبد الحميد "إن هذا الأمر لا يفلح دومًا؛ فالأمر مرتبط نوع المادة، وعادة ما يفلح هذا الأمر مع المواد التي تحتاج حفظ أكثر من الفهم والمشاريع العملية، وذلك مرتبط بالذاكرة البشرية التي تسح بالتذكر في حال عُبأ بالمعلومات قبل وقت قصير من الامتحان".
تكمل "لكن في حال كانت المادة بحاجة للفهم مثل الرياضيات والكيمياء والمواد المرتبطة بها، فمثل هذه المواد تحتاج للفهم والمتابعة لمدة زمن مريحة وطويلة حتى يتقلها العقل، وتستطيع الذاكرة الاحتفاظ بها. أما بالنسبة للمشاريع العملية، فمن المستحيل إنجازها في وقت قصير، لأن أي مشروع يحتاج مدة محددة لا يتم في حال نقصت".