بعد أعوام من تعلم لغة الصم، وهي في سن مبكرة، تحوز الفتاة المقدسية مريم أبو رموز (22 عامًا)، أخيرًا على لقب مدربة محترفة عالمية لتعليم لغة الإشارة لعام 2023 من منظمة الـ ISO العالمية. مريم التي دفعها حبها لوالديها الأصمين، لتعلم لغة الإشارة وهي في الـ14 من عمرها، كي تستطيع التواصل معهم بسلاسة، ودمجهم في المجتمع، لم تخير أن تكون هي الابنة الوحيدة لوالديها، لكنها اختارت أن تتميز عن البقية، وأن تحدث تغييرًا في نظرة المجتمع لهم، لا سيما بعدما واجهت موقفًا كان فاصلًا في حياتها، عندما سألتها إحدى صديقاتها: "مريم ما بتستحي وأنتي بتحكي مع أمك وأبوكي لأنهم، صح؟".
الدفعة نحو تعلم لغة الإشارة
كان هذا السؤال كفيلًا بأن يدفع مريم، ليس فقط لتعلم اللغة، بل وتعليمها لمن يرغب في ذلك، كي يعتاد الجميع على هذا الاختلاف، ويتقبلون تلك لغة، التي تمكنهم من التواصل مع الصم. وهي في سن الـ14 قدمت مريم كتابًا لوزارة التربية والتعليم، تطلب فيه تعلم لغة الإشارة، باعتبارها ابنة وحيدة لوالدين من فئة الصم والبكم، متحدثة عن الصعوبات التي تواجهها وحاجتها إلى تلك الدراسة.
انتسبت مريم لبرنامج بكالوريوس لغة الإشارة ودرسته حتى حازت وهي في عمر الـ17 على شهادة مزاولة المهنة، وبدأت بإعطاء محاضرات ودورات، ما دفع العديد من الكليات والجامعات داخل فلسطين وخارجها، للتعاقد معها، لتعليم الأشخاص من جميع الأعمار والجنسيات، لغة الإشارة. تقول مريم: "إن معاناة والداي في إيصال رسالتهم للمجتمع في كل مكان يتوجهون له، سواء في الأسواق أو المستشفيات أو المؤسسات الحكومية، خلقت لدي مسؤولية كبيرة تجاههم وأردت أن أنال شهادة تؤهلي أمام المجتمع لتدريب الأشخاص على التعامل مع الصم والبكم".
اقرأ أيضًا: "كل مُبتلى مُلهَم": ندى حمدان عن ساقها الغائبة!
وتوضح مريم أن ما دفعها لتعلم لغة الإشارة أيضًا هو حبها لوالديها، وإصرارها على التواصل معهم بشكل جيد وفعّال، وتلبية احتياجاتهم الاجتماعية، والقيام بشؤونهم على أكمل وجه. كانت بدايتها مع لغة الإشارة من خلال والديها اللذين حاولا التواصل معها من خلال هذه اللغة، واستطاعت هي تطوير نفسها فيها من خلال دراستها.
لم تكتف الفتاة أبو الرموز بتعلم اللغة، بل أرادت أيضًا تغيير نظرة المجتمع للصم والبكم، وللغة الإشارة، وجعلها لغة متقبلة لدى الجميع، كي يسهل التواصل مع هذه الفئة، ويصبح دمجهم في المجتمع مع الزمن، واقعًا متقبلًا سهلًا.
مبادرة أنامل متحدثة
حازت الفتاة أبو رموز على لقب أصغر مترجمة لغة إشارة للصم في فلسطين، فلم تكن مريم قد تجاوزت الـ17 عامّا، وبعد عام استطاعت الانضمام لنقابة المترجمين، وحصلت أيضًا على لقب أصغر مترجمة إشارة باللغتين العربية والإنجليزية.
أطلقت مريم مبادرتها الخاصة لتعليم لغة الإشارة تحت مسمى "أنامل متحدثة"، حيث بدأتها بنشر فيديوهات مترجمة للأناشيد، والأغاني، والقصص للغة الصم، فلاقت مقاطع الفيديو رواجًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي ما شجعها للخوض في تجربة تدريب الأشخاص عليها من خلال المبادرة، واستهداف جميع فئات المجتمع، صغارًا وكبارًا، إناثًا وذكور، عبر منحهم شهادات معتمدة.
اقرأ أيضًا: لماذا اخترت السفر؟ إجابات لفتيات خضن التجربة
تضيف مريم أنها من خلال مبادرتها تمكنت من تخريج ما يقارب الـ 83 فوجًا ممن التحقوا بالدورات وتعلموا اللغة، ما أسهم بشكل كبير في تقبل المجتمع لفئة الصم، وسهل عليهم التعامل والتواصل معهم. كما أنها استطاعت تقديم خدمات الترجمة لكل من يحتاجها من ذوي الاحتياجات الخاصة عبر توفير مترجمي إشارة لكل شخص يريد إنهاء معاملة في المؤسسات الحكومية، والمستشفيات، والأماكن العامة أيضًا.
تفخر مريم بنفسها وبذويها، وهي تعدد التخصصات والمجالات التي درستها، والألقاب التي حازت عليها خلال سنوات عمرها الـ22، فقد توجتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بلقب سفيرة الإنسانية في مؤتمر "اصنع أملًا" في دبي، كما نالت شهادة مدرب محترف عالمي في لغة الإشارة، باعتراف من المنظمة العالمية ISO لعام 2023.
لغة الإشارة ليست صعبة
ترى مريم أن تعلم لغة الإشارة ليس أمرًا صعبًا، ما دام لدى الشخص الرغبة في تعلمها والإيمان بأهمية وجود هذه اللغة لتسهيل حياة فئة ليست بقليلة من مجتمعنا؛ فهي لغة تعتمد على ملامح الوجه والشفاه وحركة الأيدي والجسم، لكنها تحتاج أيضًا للممارسة المستمرة. هي تدرس حاليًا في تركيا تخصص بكالوريوس تمريض عمليات، استطاعت أيضًا الالتحاق ببرنامج الماجستير في إدارة الأعمال في جامعة كامبردج في بريطانيا، وتخرجت فيه قبل ستة أشهر.
وتشير إلى أنها التحقت أيضًا بتخصص التمريض، بعد ملاحظتها عدم وجود مختصين بلغة الإشارة في المستشفيات الحكومية والخاصة، فتوجهت لدراسة التمريض لخدمة المرضى الصم وترجمة ما يعانونه من أوجاع وأمراض للطاقم الطبي، فمن حق أي مريض، خاصة لو كان أصمًا، أن يتلقى العلاج المناسب، وأن يجد من يفهم ويسمع معاناته باللغة التي يتقنها.
اقرأ أيضًا: جمان غزال.. من الواجهة الزجاجية إلى طموح العالمية
وبالرغم من وجودها الآن في تركيا لإكمال دراستها، إلا أنها لا زالت على رأس عملها في مبادرة "أنامل متحدثة"، إذ تقدم دروسًا ودورات الإشارة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي عن بعد، داخل فلسطين وخارجها، لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص، وتنشر لغة الصم في كل العالم، كي تصبح لغة معتمدة تدرّس في كل المدارس والجامعات.