الأربعاء 13 سبتمبر
تطبع ذكريات الطفولة في العقل وتأبى النيسان! هذا ما حصل معي فعلًا، كنت في السادسة من عمري حين رأيت قوات الاحتلال تقتحم منزلنا وتأخذ أبي من بيننا عنوة. لم أكن أعي ماهية الس.جن والاعتقال! إلى الآن ما زال المشهد يتكرر في ذهني، كنت أظنها الأخيرة وقتها لكن كبرت أنا وفي كل مرة يُعتقل أبي تصيبني الرجفة ذاتها.
أنا مريم، ابنة الأسير النائب المقد.سي والمبعد أحمد عطون. قضيت طفولتي في ساحات السج.ون الإسر.ائلية، وفي كل زيارة كنت أود أن أرتمي بين أحضان والدي، لكن الزجاج الفاصل كان يحول بيننا دون ذلك في كل مرة. لم يعش والدي معنا كما ينبغي، لم يرني بالزي المدرسي لأول مرة، لم يحضر حفل تخرجي من الجامعة. أفتقده في ليالي رمضان والأعياد، كلما يمر عام أقول هانت ولكن يتكرر اعتقاله.
في اعتقاله الأخير تدهورت حالته الصحية، وظهرت عليه أعراض الجلطة فأجرى عملية قسطرة، ولكن يتعرض الآن للإهمال الطبي من قبل الاحتلال، إذ كان من المفترض أن تتم متابعته بشكل دوري. كان التوتر قد بلغ ما بلغ منا إثر حالته الصحية وبسبب قرار منع الزيارة الذي أُصدر، ولكن بعزيمة أسرانا وإضرابهم عن الطعام احتجاجًا، تم العدول عن القرار.
بالعودة إلى دفتر الذكريات المريرة، في أول اعتقال لأبي سألت أمي "وين أخذوا بابا".. قالت: "اخذوه بس يمكن هالمرة يطول يغيب عنا ثلاثة أو أربعة أيام". انتظرت لليوم الرابع ولم يأت أبي، ووقتها فهمت أن اليوم يعني سنة، وانتظرت السنوات حتى يعود. ها أنا والعائلة ننتظر، وها هي أمي التي كانت الأب قي سنولت الغياب، تعملنا الصبر بحذافيره، هادئة صابرة راضية بما كتبه الله.
كنا في اليوم الذي اعت.قل فيه أبي نحضر لخطبة أخي مج.اهد وسنذهب سويًا للخطبة، كنت سأرى الفرح في عيون أبي الذي يزوج ابنه البكر، ولكن داهمتنا قوات الاحت.لال ونغصت فرحتنا. آمل أن يُطلق سراح أبي قريبًا، وأذهب معه إلى المسجد الأقصى وألتقط الصورة بكثرة في كل زواية من باحاته. إذ لم أتمكن من زيارة الأقصى مع والدي بعد سحب هويته المقدسية عام 2006، ومنذ العام 2011 وهو مبعد إلى الضفة الغربية.