بنفسج

العريس براء: بين المدح والرثاء.. صبر ساعة

الخميس 14 سبتمبر

12 ساعة كانت فاصلة بين المديح والنعي، بين الحياة والموت، بين إحساس أب بالسعادة والفخر لرؤية ابنه يكبر أمامه، وأمنيات ودعوات بأن يحفظ الله هذا الشاب الوسيم ذو الملامح المطمئنة، وأن يوفقه لما فيه الخير في المستقبل، وبين وجع ونعي له فقيدًا وشهيدًا، مودعًا لعائلته ولكل من عرفه وأحبه إلى الأبد.

"هذا العريس #البراء ..ما شاء الله، كبر وأنهى الثانوية العامة، ودخل الجامعة، وكمان شويتين بيخلص، إلا وهو متزوج وصاير عنده أولاد وبنات، وهيك الدنيا...أسأل الله أن يوفقه، هو وجميع إخوانه وأخواته... دعواتكم له بالتوفيق"، هذا ما كتبه الدكتور الداعية وائل الزرد قبل سويعات من استشهاد ابنه براء (18 عامًا)، وهو أحد الشهداء الستة الذين ارتقوا مساء أمس في قطاع غزة، بعد وقوع انفجار خلال المواجهات التي اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة ملكة شرق المدينة، عقب تنظيم فصائل المقاومة مهرجانًا، في الذكرى الـ 18 للانسحاب الإسرائيلي من القطاع.

12 ساعة كانت فاصلة بين منشور كتبه الداعية وائل الزرد، يشيد فيه بابنه براء، كيف كبر أمامه وأنهى دراسة التوجيهي، ثم التحق بالجامعة، كيف مرت الأيام بسرعة ليراه شابًا يافعًا، وربما سندًا في المستقبل القريب، رآه عريسًا يفرح في زفافه، وأبًا يداعب أبناءه، وبين منشور آخر ينعيه فيه شهيدًا إلى العلا، ليوجع قلبه وقلوب المئات ممن عرفوا قصته، ودعوا له بأن يحفظه الله ويجعله بارًا نافعًا لوالديه.

نعى الدكتور وائل ابنه بمنشور على الفيس به قائلًا: "رحمك الله بني الحبيب براء ..لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار، إنا لله و إنا إليه راجعون، # براء شهيد"، فلم يخب إحساس الأب وكأنه شعر أن هذا الشاب الذي كان بالأمس طفلًا صغيرًا يترجل على المنابر ليمشي على خطى والده، يصدح صوته رغم صغره بالخطب والندوات، سيكون عريسًا قريبًا، عريسًا في الجنة.


اقرأ أيضًا: كيف يحيا فينا الشهيد؟ في ضيافة عائلة الشهيد رائد مسك


ما أقسى أن يفارق المرء فلذة كبده، ما أقسى أن يراه يكبر أمامه يوما بعد يوم، يخطط له مستقبله، يراقب تطوراته، يرافقه في حياته، يشاركه حديثه وأفكاره، يغضب منه حينًا ثم ما يلبث أن يهدأ، يحلم في يوم تخرجه وزواجه، يكافح ويتعب ويشقى ليكون أفضل الناس، يزرع فيه كل خلق حسن؛ ليباهي فيه أحبابه، يتمنى حينما يشيخ بأن يراه بجواره، يسانده في كبره، ويلهو مع أحفاده، ويتكئ عليه وقت تعبه. لقد صار براء عريسًا كما تمنى والده، لكنه رحل للأبد، عريسًا في الجنة، ليغرس في قلوب أحبابه غصة تلازمهم طوال العمر.

لقد ودعت غزة اليوم كعادتها ستة شهداء وهم: براء وائل الزرد، وأحمد عز الدين الجعبري، وعبد الناصر رامي نوفل، ومحمد عمر قدوم، ورائد روحي رمضان، وعلي جمعة عياد، لكل منهم حكاية وجع في قلوب ذويهم، قد لا تصفها الكلمات، ولا تطفؤها العبرات، ولا تخففها الآهات، وما أكثر حكاياتك يا غزة وما أقساها، لكن عزاءنا وعزاء ذويهم أنهم في جنان عدنٍ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.