الأربعاء 04 أكتوبر
كنت في زيارة سريعة للأقصى، كعادتي، أذهب كل فينة وأخرى مع زميلاتي في حلقات تحفيظ القرآن في جنين، في رحلات للرباط في المسجد الأقصى والرباط فيه، أقضي ساعات النهار هناك، ثم نحزم حقائبنا ونعود مجددًا إلى منازلنا في جنين، بعد أداء صلاة العشاء. ذات مرة، وأنا أتجول في باحات الأقصى وأتأمل جدران المسجد وساحاته، وأستنشق الهواء العليل، تفاجأت بجندي إسرائيلي ينهال عليّ بالشتائم القذرة، فلم أطق ذلك التصرف، فدفعته بيدي، لأتهم بقضية في محاكم الاحتلال "محالة تنفيذ عملية طعن والشروع في القتل".
أنا الأسيرة فاطمة عمارنة (44 عامًا)، كنت أعيش مع والداي المريضين في منزلنا في جنين، وأعمل محفظة للقرآن الكريم في مساجد المدينة، أقرأ القرآن بعشر روايات ونلت على شهادات ودورات عديدة في القرآن وعلومه.
اعتدت أنا وزميلاتي الذهاب إلى المسجد الأقصى، والرباط فيه والصلاة، لكنها كانت المرة الأخيرة التي أزور فيها الأقصى، في 4 من أيلول/سبتمبر 2023، حين اتهمني جنود الاحتلال بمحاولة تنفيذ عملية طعن بحق جندي إسرائيلي، فاعتدوا وانهالوا عليّ بالضرب المبرح الذي لا أزال أعاني من مضاعفاته.
وجهت لي التهمة وأنا بريئة منها، وما صُور بكاميرات الشوارع شاهد على ذلك، وأنا حتى الآن في سجون الاحتلال، أعاني من مضاعفات كثيرة في جسدي جراء ما تعرضت له من ضرب واعتداء وركل على مناطق على رأسي ورقبتي، قد تؤثر على صحتي في المستقبل.
لم أتلق العلاج بعد، ولم أعرض على مستشفى، كل ما أعطي لي من طبيب سجن "الديمون" هو حبوب "الأكمول" فقط، التي لا تسمن ولا تغني من جوع في حالتي المرضية هذه. أعلم أني والداي قد تأذيا جدًا لفكرة اعتقالي بهذا الشكل البشع، أبي تعرض لصدمة كبيرة، لكنه استطاع أن يتظاهر بأنه تجاوز الأمر، وأنه بات أقوى وسيسعى دائمًا لدعمني.
أما والدتي المريضة التي تتكئ علي دائمًا، فهي لازالت تتألم لفقدي، حتى الآن لا تستطيع أن تتجاوز ما حدث لي كهذا بغمضة عين، وأنا التي كنت أرعاها وأطبب آلامها، وأحفظ عن غيب مواعيد أدويتها، فهي تعاني من الضغط والسكر ومجموعة من الأمراض المزمنة التي لا تجعلها تقوى على احتمال ما حدث.
حتى الآن وأنا لم أكمل الشهر في سجون الاحتلال، تعرضت لست جلسات محاكمة، كلها كانت توجه لي التهمة ذاتها، فالاحتلال يبدع في تلفيق التهم لنا نحن الفلسطينيين، وفي قلب الحقائق وجعل الضحية بمكان الجلاد، لم أر أحد من أهلي، كل من رأيتهم همه السجانين ومحامين فلسطينيين أرادوا الاطمئنان على حالتي ووضعي، فأهلي منعوا من زيارتي بذرائع أمنية.
كنت عكازًا للدار، حبيبة الكبار والصغار، هكذا كان يطلق علي أخوتي المتزوجين وأولادهم، الذين اعتادوا أن أجلب لهم الكعك من المسجد الأقصى، في كل زيارة، لا زال الصغار ينتظرون عودتي إليهم حاملة الكعك والهدايا، يستفسرون عن سبب تأخرني عنهم هذه المرة، ولا زلت أنا خلف هذه الزنازين أنتظر الفرج القريب.