منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر ٢٠٢٣، اتخذ العرب والمسلمون المقاطعة سلاحًا يردّون به على العدو وعلى الشركات الداعمة له، وإن كانت المقاطعة واجبة في البدء فقد أصبحت الآن حتمية مع التحريض الصريح من مديري هذه الشركات. كيف نُقبِل على اقتناء منتجات يقول أحد مديري شركاتها بأنّ قتلنا هو طاعة لله؟
ذلك أنّ المدعو سام مالدونادو، نائب رئيس جونسون آند جونسون، السابق، دعا إلى إبادة الفلسطينيين بشكل كامل، وأظهر تفهّمه لقصف المدنيين قائلًا: اقتل الكلّ، معتبرًا إبادتهم من طاعةً لله. وقد حذف حسابه على لينكدان بعد الهجوم الذي تعرّض له إثر هذه التصريحات. ولذا وجب التحذير من شركة جونسون بوصفها من أشهر الشركات، خاصةً فيما يتعلق بمنتجات الأطفال، إذ أنها شركة معروفة ومشهورة بين العرب.
جونسون آند جونسون
شركة أمريكية متعدد الجنسيات، أسست عام ١٨٨٦، تنتج وتصنع وتعبئ الأجهزة الطبية والأدوية والسلع الطبية، تتبع لها ٢٥٠ شركة ومنتجاتها تباع في ١٧٥ بلدًا، وهذا الانتشار الواسع هو ما يوجب علينا التعريف بها للتحذير منها، حيث تشمل عائلة جونسون أسماء عديدة من الأدوية وإمدادات الإسعافات الأولية والضمادات ومنتجات الأطفال ومستحضرات التجميل، كما تنشط في مجال التغذية والعناية بالبصر، ومن بين منتجاتها وشركاتها الأسماء والاستخدامات تالية الذكر.
نيتروجينا
أُسست عام ١٩٣٠، وبدأت بمسمى: ناتون بتصنيع صابون نقي ينظف البشرة دون تجفيفها، ثم أصبحت تابعة لجونسون آند جونسون، تهدف للعناية بالبشرة وتقدم مستحضرات للتجميل والعناية بالشعر وتوزَع منتجاتها في أكثر من ٧٠ دولة.
مما تنتجه: مستحضرات التخلص من حب الشباب، ماسك الطين الأبيض للبشرة الدهنية، غسول فيزبيلي كيلر المقشر للبشرة والمنظف للمسامات، إضافة لواقٍ شمسي وكريم مضاد لتجاعيد الوجه، ومنتجها الأكثر مبيعًا هو جهاز إزالة الخلايا الميتة وتجديد البشرة وتنظيفها.
كان حريًّا بمن يدّعي تذوق الفنّ ورهافة الحسّ ألا يكون داعمًا للكيانات الغاصبة المعتدية، هذا إن افترضنا صحّة الادعاء.
أما المفارقة التي تناقض فيها شركة نيتروجينا نفسها، فتكمن في قيادتها لحملات تطوير أساليب التعليم مقدمة الدعم المادي والمِنح للمتفوقين المحتاجين للمساعدة المادية لمتابعة التعليم، وكذلك دعم التعليم الموسيقي بشكل خاص لاعتبارها أن الموسيقى تسهم في رقي الحياة وتنشئ جيلًا راقي الحس، وتشترك أيضًا مع منظمة مرض السرطان لدعم هؤلاء المرضى نفسيًا وتقديم منتجات عناية بالبشرة مخصصة لهم.
في ظلّ اهتمامها بالموسيقى لتحسين نوعية الحياة، يفارق النوم أعين الغزاويين المتعرضين لأصوات القصف ليل نهار، أصوات شاذة غير موسيقية تحطم الأعصاب وتُخفِض جودة الحياة تمامًا، تلك الحياة التي تسعى نيتروجينا لتجميلها ببضع نغمات موسيقية، وقد كان حريًّا بمن يدّعي تذوق الفنّ ورهافة الحسّ ألا يكون داعمًا للكيانات الغاصبة المعتدية، هذا إن افترضنا صحّة الادعاء.
أما مرضى السرطان في غزة، فيعايشون معاناة مرضهم مضافةً لها معاناة الحرب وانعدام الدواء والعلاج خاصة مع أوضاع المستشفيات الصحية المتردية وغياب الكهرباء الذي يجعل عناية المريض بنفسه مستحيلة، فكيف حين يترافق كل ذلك مع شتاءٍ بارد؟
منتجات جونسون للأطفال
عام ١٩٠٤ وسعت جونسون منتجاتها الموجهة للعناية بالأطفال مثل حفاضات الرضع، وأصدرت صابونًا خاصًا للأطفال يحمل اسمها عام ١٩٢١ ومن منا لا يعرف بودرة جونسون للأطفال؟ تلك المنتجات الخاصة بالأطفال والرضع تقدّمها شركة جونسون عبر شعار: ابتكار ألطف المنتجات للأطفال على مستوى العالم. ويضيفون: اللطافة ليست فقط في منتجاتنا إنما في قلوبنا أيضًا.
وينسَب لهم: نحن في جونسون نؤمن بقوة اللطافة الهائلة وقدرتها على تغيير العالم. فهل من اللطف أن يدعو أحد مديريهم لقتل الفلسطينيين بكبيرهم وصغيرهم؟ وأين اللطافة الهائلة في أوضاع الأطفال الذين يسمّم الصهاينة حياتهم ويسلبونهم حقوقهم الحياتية اليومية، أولئك الصهاينة الذين تشدّ جونسون على أياديهم؟
ففي حين تهتم جونسون بتقديم البودرة والشامبو والمناديل والحفاضات للأطفال، بل وحتى لا تنسى منتجات فقاعات الاستحمام لترغيب الصغار بتنظيف أنفسهم، يعيش أطفال غزة أوضاعًا غير إنسانية، عدا عن القتل والصدمات النفسية الشديدة هناك الحالة الصحية والمعيشية المتردّية، وفي ظل انقطاع الماء أيملك أطفال غزة فرصة في الاستحمام ليمتلكوا فرصة للاستمتاع بفقاعاته؟!
كلين آند كلير
أسست عام ١٩٥٦، تشبه في منتجاتها نيتروجينا إلّا أنها أقل تكلفة، تستهدف النساء الشابات في معظم منتجاتها، مثل خط soft الذي يركز على ترطيب الوجه، تقدم صابون وبلسم الشعر والشامبو وعناصر العناية بالبشرة الحساسة، ويشير اسمها إلى أن منتجاتها لا تحتوي عطورًا أو أصباغ ولا تترك بقايا بعد الغسل.
وفي مشهد مغاير فإن شابات غزة مررن بأصعب الظروف في حياتهن خلال الحرب الأخيرة والاعتناء بالبشرة، أو حتى مجرد التفكير في ذلك أصبح رفاهية بالنسبة لهنّ، فقد غدَا فنجان القهوة في ظل أجواء هادئة مسالمة والعودة لأعمال ترتيب المنزل _الذي تدمّر كامله أو معظمه بفعل القصف_ حلمًا من أكبر أحلامهن رغم أنه من أبسط مقومات الحياة، لكنّ جونسون والمستهدفات بمنتجاتها لا يُعرن اهتمامًا لمعاناة المرأة عندما تكون مسلمة أو غزاوية.
"أكيوفيو": للعدسات اللاصقة
وهي العدسات التي تقدمها شركة جونسون في مجال العناية بالبصر، إذ تُصنع لتلائم جميع العيون، بحيث لا تسبب أي التهابات للعين ويحرصون أن تكون مريحة وطبيعية.وهنا يحضرنا تساؤل بسيط: هل الاعتناء بالبصر يضمن لنا سلامة البصيرة؟
وما دامت شركة جونسون ضمن الشركات المُقاطَعة، فذلك أكبر دليل على اسوداد بصيرتهم، وإن كان لا بد من دعمهم لبني جلدتهم، فالواجب علينا أن نتضامن ونكون يدًا واحدة في مقاطعتنا لهم لأنّ المسلمين _وأي إنسان حقيقي_ هم من يجب أن يتعاضدوا ضدّ أعدائهم ويتكاتفوا لتحقيق أهدافهم في عدم الشراء ممن يتورطون بدمائنا ويصفقون على وقع مجازر تغتالُنا.
كيرفري
وهو المسمى الذي تقدّم جونسون عبره المنتجات النسائية الصحية المتميزة بقطنها المراعي للنساء، والحريص على منحهن شعور الراحة والنعومة والانتعاش.صممت جونسون مناشف lister`s لتكون أول فوط صحية كبيرة في العالم مع دليل إرشادي للأمهات قبل وبعد الولادة بعنوان: النظافة في الأمومة.
ومما يدعو للأسى أن تفتقد النساء في غزة للفوط الصحية، فيعشن فترات الحيض والولادة والنفاس وهنّ محتاجات لأبسط مقومات مواجهتها، ولا شك أن غياب المنتجات التي تعينهنّ على العناية بأنفسهنّ تؤدي بهنّ إلى مضاعفات وأوجاع وأمراض عديدة، ويُنفَى بذلك عنوان الدليل الإرشادي الذي قدمته جونسون، فبكل أسف: لا نظافة في الأمومة. وتلك حالة إجبارية عصيبة تعيشها أخواتنا كأحد تداعيات الحرب التي لا تتوقف على مجرد القتل رغم فظاعته، وتتعدّاه لتجعل الحياة نفسها مستحيلة.
وفي النهاية، سيكون من قلّة الوعي أن نُصدَم بتصريحات رؤساء هذه الشركات، ومن قلة الوعي أن نستغرب وقوفَهم إلى جانب عدونا، فهم أساسًا من طينة واحدة والكيان الصهيوني صنيعتهم ونما على أيديهم ويدعمونه ليقتلنا، لكنّ الصدمة الحقيقية التي نعيشها تحدث عندما يشتري مسلم أو عربي أحد المنتجات المقاطَعة، ولذلك يجدر بنا على الدوام التنبيه والتذكير والإشارة إلى أعدائنا وتسمية الأشياء بمسمياتها لكي يصحو من كان غافلًا، إذ أنّه ما من صاحبِ ضمير يمكن أن يعرف مدى دعمهم لمحتل يقتل إخوته ويرفض رغم ذلك مقاطعتهم، على العكس، سيُقبل بكلّ حميّةٍ محمودة ليستغنيَ عنهم، لن يهتمّ أكانوا يخسرون باستغنائنا عنهم أم لا، فالمسألة ليست أن نكبدهم الخسائر _مع أننا نتمنى_ المسألة الجوهرية ألّا ندفع فلسًا سيُصرف في النهاية على قتل إخوتنا، ومستقبلًا على قتلنا!