"نأسف.. لقد فُقد الاتصال بقطاع غزة الحبيب"! هل تخيلت يومًا أن تفقد الاتصال عن العالم؟ أن تنقطع ممن هم يبعدون شارعين عنك! أنتما تحت سماء واحدة وفي أرض واحدة وكيلومترات معدودة، لا تتجاوز الساعة والنصف، ولا تستطيع معرفة إن كان على قيد الحياة أم لا!في الحرب المجنونة التي أودت بحياة ما يقارب ٣٠ ألف شهيدًا، ومع هموم الحرب والرعب الذي يدب في القلوب المكسورة ليل نهار، انقطع الاتصال عن العالم، وفقدنا التواصل بأصدقائنا المتناثرين في غزة وحول العالم.
نعم في غزة وفي العام 2024 انقطعنا عن كل شيء، حتى أضحينا لا نستطيع التواصل حتى مع الإسعاف، حتى جاءت فكرة الشرائح الإلكترونية لتشكل طوق نجاة لنا فنتصل بالإنترنت من خلالها لنعرف أخبار غزة من استشهد وأُصيب، وأهم من استفاد منها الصحفيون ورجال الأسعاف والدفاع المدني.
الشرائح الإلكترونية: إعادة الاتصال بالقطاع الحبيب
تحتاج الشريحة الإلكترونية لهاتف يدعمها "esim"، ولمكان عال غالبًا لتلتقط الإشارة، الصحافي يوسف فارس، كان من أولئك الصحافيين الذين تبقوا في شمال غزة، فشكلت الشريحة الإلكترونية مرسى آمنًا بالنسبة له ليستطيع التواصل مع وكالات الأنباء التي يعمل بها، ولينشر الأخبار وتحليلاته على قناته عبر "التلغرام"
يقول لبنفسج: "بعد انقطاع الإنترنت والاتصالات تمامًا عن شمال القطاع، بدأت بالبحث عن حلول، فسمعت بالشريحة الإلكترونية، وهاتفي المحمول لا يدعمها، فطلبت من أحد أقربائي الذي يدعم هاتفه "esim" تشكيل نقطة اتصال لي لاأستطيع الولوج إلى شبكة الإنترنت، في بداية الأمر لم نكن نمتلك الخبرة لتوفير أفضل الظروف لتعطينا الكفاءة الكاملة، وبعد محاولات التجربة والخطأ، حددنا المناطق المناسبة، وهي تلك المرتفعة، والمكشوفة، فأعطتنا الشريحة سرعة ممتازة في نقل المواد المصورة بجودة عالية، لا سيما إنني كنت بحاجة إلى رفع نحو 2 جيجا يوميًا".
ماذا عن المخاطرة لالتقاط الإرسال والاتصال بشبكة الإنترنت؟ يجيب: "لا شك أنه توجد مخاطرة كبيرة بالأمر إذ اضطر في أحيان عديدة الذهاب إلى لأماكن الطرفية وغير المأهولة، والصعود إلى أماكن عالية لأتمكن من الدخول للشبكة العنكبوتية وإتمام مهماتي في نقل الصورة".يذكر أنه في وقت سابق قد أُصيب واُستشهد نحو 7 شبان وهم يحاولون التقاط إشارة إنترنت قوية في تلة تل الزعتر. ويؤكد الصحافي فارس أن الشرائح الإلكترونية شكلت الخيار الوحيد لإيصال صوت غزة وصورتها إلى العالم بعدما قطع الاحتلال الإنترنت عن شمال القطاع وما يزال.
أصيب واُستشهد نحو 7 شبان وهم يحاولون التقاط إشارة إنترنت قوية في تلة تل الزعتر.
أما السيدة أم أحمد اعتبرت الشرائح الإلكترونية كنزًا كبيرًا في ظل الحرب المجنونة التي فصلتها عن أولادها وأشقائها القانطين خارج غزة، تقول: "لدي من الأولاد ثلاثة في الخارج، والأشقاء والشقيقات أربع، حين قُطع الاتصال والإنترنت عن غزة أصبت بصدمة كبيرة، كنت لا أود الموت وأنا مشتاقة لأصوات أولادي، كما أعلم أنهم قلقون عليَّ وحالتهم النفسية تزداد سوءًا وأنا منفصلة عنهم ولا يعلمون عني وعن أبيهم وشقيقاتهم شيء، حتى عرفت أنه يوجد ما يُسمى شريحة إلكترونية، فسألت واستفسرت من البعض عنها وعلمت الآلية التي تعمل بها، ومن حسن حظي أن هاتف ابنتي يدعم esim، فأصبحنا نحادث الأحبة خارج القطاع من هاتفها، وشكل شريحتها ملجأ أيضًا لجيراني الذين لديهم أبناء مغتربين".
ميرنا الهلباوي: مبادرة" توصيل غزة"
ما هي عيوب الشرائح الإلكترونية؟ تجيب الشابة مي بسام: "تحتاج إلى مكان عال للحصول على إشارة مناسبة للإنترنت، واتجاه معين، إذ اضطر أحيانًا إلى التوجه إلى مناطق معينة تعمل بها الشرائح بشكل فعال أكثر". جلبت مي الشريحة الإلكترونية من شقيقها القاطن في تركيا، وفعلتها فور وصولها لها، إذ توجهت نحو نقطة الإنترنت التي أسسها جارهم للدخول للإنترنت لتستطيع تفعليها بأريحية،والولوج من هاتفها الذي يدعم "esim" للإنترنت للتواصل مع شقيقها وزوجته وأبنائه وأقاربها بالخارج، وتختم حديثها لبنفسج "ما كنت بعرف قبل الحرب شي اسمه شريحة إلكترونية، وبعتبر حالي محظوظة لإنه تلفوني بدعم الشرايح هي".
أما عن كيف وفّر الغزيون الشرائح الإلكترونية، فالفضل الأكبر يعود إلى مبادرة توصيل غزة التي أطلقتها الناشطة المصرية ميرنا الهلباوي ودعت إيلون ماسك على منصة إكس إلى توصيل أهل غزة بالإنترنت من خلال الأقمار الصناعية، فرد قائلًا "إنه سيفعل ذلك"، ولكنه خيب آمالها وآمال المنتظرين لذلك.
بعد ذلك قررت أن تفكر بفكرة تستطيع من خلالها مساعدة غزة للاتصال بشبكة الإنترنت، فاشترت شريحة إلكترونية "esim" وأعطتها لصديق من غزة فنجح الاتصال، وعقبت على الأمر في حوار صحافي قائلة: "أدركنا أن هناك أملًا، حتى لو كان أملًا صغيرًا جدًّا، في أننا وجدنا حلًّا، لقد كان ضوءًا في نهاية نفق مظلم للغاية".
وفي ما بعد أعلنت ميرنا عن مبادرتها "توصيل غزة"، وأخبرت من يريد التبرع بشرائح إلكترونية للغزيون شراءها عبر الإنترنت وإرسال رموز QR لها، وما عليها سوى الوصول لأهل غزة ممن يريدون شريحة ويدعم هاتفهم "esim" وإرسال الباركورد لهم، وما عليهم إلا مسح رمز الاستجابة السريع (QR code) من خلال الكاميرا، والدخول للإعدادات وتفعيلها.
ويمكن لكل شخص يدعم هاتفه الشريحة الإلكترونية، تحويل هاتفه إلى نقطة اتصال مع 5 أشخاص آخرين.يترواح سعر الشريحة الإلكترونية ما بين (20_70$)، وذلك حسب نوعها وسرعتها.تقول ميرنا مؤسسة "توصيل غزة"، "من يوم 28 أكتوبر الماضي، وُزعت أكثر من 150 ألف شريحة إلكترونية لأهل غزة، كونها وسيلة التواصل الوحيدة مع العالم".
حاولوا الاتصال بالشبكة: فقتلهم الاحتلال
يشار إلى أن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أكد في تقرير له أن قوات الاحتلال تعمدت قتل العديد من المدنيين، وأيضًا استهدفت صحافيين أثناء محاولتهم لالتقاط بث للاتصال بشبكة الانترنت، إما عبر قصفهم بالطائرات المسيرة أو بالقنص المباشر.
وقال في تقريره "إنه وبعد البنية التحتية للاتصالات ومحطات الإرسال، لجأ الفلسطينيون للشرائح الإلكترونية كبديل إذ يضطرون إلى المخاطرة والصعود نحو الأماكن المرتفعة لالتقاط الإشارة، فتتعمد قوات الجيش استهدافهم وهم لا يشكلون مصدر تهديد أو خطر".
الشرائح الإلكترونية شكلت الخيار الوحيد لإيصال صوت غزة وصورتها إلى العالم بعدما قطع الاحتلال الإنترنت عن شمال القطاع وما يزال.
ووثق المركز حوادث القتل المتعمد للفلسطينيين، في 22 يناير الماضي، قُتل الشاب محمد الغولة، وأُصيب الصحافي عماد غبون، ونجا آخرون بعد أن استهدفتهم الطائرات الإسرائيلية أثناء محاولتهم التقاط إشارة الإنترنت في منطقة "تل الزعتر" في مخيم جباليا.وأكد الأورومتوسطي "أن استهداف قوات الجيش الإسرائيلي للمدنيين الذين يحاولون التقاط البث تمحور في المناطق المنكوبة والمحاصرة التي تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان، ولا يستطيع الصحفيون فيها نقل رسالتهم الإعلامية ولا حتى السكان".
وأيضًا وثق التقرير أنه في 8 فبراير استهدفت طائرات "الكواد كابتر" فلسطيني أثناء محاولته التقاط إشارة الإنترنت من على سطح مجمع ناصر الطبي في خانيونس. وفي 9 شباط فبراير، أُصيب 6 شبان بعد إطلاق البوارج الإسرائيلية نيرانها اتجاههم على بحر مخيم النصيرات، خلال محاولاتهم الولوج إلى شبكة الإنترنت،إضافة لمقتل وإصابة آخرين في مدرج ملعب اليرموك بمدينة غزة.