"أنا نجوى حلمي أصير صحافية"، و"أنا أحمد نفسي أصير طيار"، صوت جماعي: "نفسنا نكون زي أطفال العالم"، "أنا يارا نفسي أصير دكتورة زي بابا"، "أنا ليان نفسي أكون ممرضة"، "إحنا يوسف وتامر نفسنا نكون ضباط".ببراءتهم، وعلى سجيتهم، نقلنا ما قالوا وعبروا عنه في إحدى الفيديوهات المنتشرة، التي يسأل فيها المصورون: شو نفسك تصير لما تكبر؟
ولكن السؤال تختلف صيغته الآن، وأصبح: مالذي دمرته الحرب من أحلام الاطفال؟ آلاف من الأطفال قتلوا، والباقون، جرحى بترت أطرافهم وضاعت معها الأحلام، آخرون يتضورون جوعًا في أنحاء غزة. في هذه التقرير نتعرف إلى بعضهم ممن التقطت الكاميرا وجوههم وعرفنا حكايتهم، وأحلامهم، وآخرون لا ندري عنهم شيئًا، فقدوا كل أحبتهم، أو يرقدون تحت أنقاض بيوتهم وجدرانها المحملة بالذكريات.
ايش بدك تصير بس تكبر؟
هذا الصغير اسمه محمود، يعرفه أصحابه وجيرانه بأنه لاعب كرة قدم لامع، يصطحب الكرة أينما ذهب، يلاعبها كأنما هي جزء منه. أصيب محمود بقصف صهيوني غادر فبترت كلتا يديه، يقول محمود: "نفسي أركب إيدي وأرجع ألعب كورة".
وهذه الجميلة اسمها ميرنا معروف، تحمل مايكروفونًا، وتنشد بصوت شجي حنون، كانت تحلم أن تكون منشدة، فلطالما اعتلت المنصة المدرسية وغنت أغاني الحرية، والصباح، والأمل، والسعادة، ولكن هذه الحرب الغادرة جبرتها على النزوح إلى رفح، وزالت ميرنا تقول إن حلمها هو أن تصبح منشدة مشهورة.
تصرخ الطفلة ليان الباز، 13 عامًا، "لا أريد أطرافا صناعية، ازرعوا لي ساقي"، بعدما بُترت ساقاها جراء إصابتها في غارة بربرية أرقدتها في مستشفى ناصر. أصيب ليان بينما اضطرت الوالدة إلى التعرف على جثتي ابنتيها الأخريين وتقول "كانتا أشلاء، تعرفت على ختام من قرطها وعلى إخلاص من شكل أصابع قدميها". كانت لليان أحلامًا كثيرة تريد تحقيقها ولكن ليس بأطراف صناعية.
الطفلة لمى الآغا (14 عاما) وشقيقتها سارة (15 عاما)، ترقدان في سريرين متجاورين بعدما أصيبتا في غارة إسرائيلية في 12 تشرين الأول الماضي. واستشهد في القصف سما شقيقة سارة التوأم وشقيقهما الأصغر يحيى وعمره 12 عاما. تقول لمى "نقلوني إلى هنا ... طلبت منهم أن يساعدوني على الجلوس، حين فعلوا اكتشفت أن ساقي بترت". وعن حلمها فتقول: "أحلم منذ صغري أن أصبح طبيبة، سأركب طرفا صناعيا وسأواصل دراستي وهوايتي، سأكون قوية من أجلي ومن أجل أهلي".
أما الطفل أحمد أبو شحمة (14 عاما)، فقد بترت رجله اليمنى بعدما أصيب بقصف إسرائيلي دمر المبنى الذي تسكنه عائلته ما أدى إلى استشهاد ستة من أبناء عمومته وزوجة عمه. يقول أحمد وهو يرتدي قميص كرة قدم، مع سروال قصير ومحاط بأبناء عمه ويمشي متكئا على عكازين في باحة منزله الذي تحول إلى أنقاض في شرق خان يونس، حيث كان يمارس هذه الرياضة، قائلا "حين استيقظت سألت أخي أين ساقي؟
قال لي أنها موجودة لكني لا أشعر بها بسبب البنج، ضحك علي حتى الصباح ثم أخبرني ابن عمي". ويضيف "أول ما بدر في ذهني أني لن أتمكن من المشي ولعب كرة القدم التي أمارسها يوميا في الحارة وفي الأكاديمية التي التحقت بها قبل الحرب بأسبوع". وأحمد من مشجعي نادي برشلونة الإسباني. يقول ابن عمه فريد أبو شحمة "لو ترجع الأيام والوقت للوراء وترجع لأحمد رجله لشجعت فريقه وتخليت عن ريال مدريد".
وهذه الطفلة اسمها حلا أبو سمرا، ما أجملها حينما تلقي الشعر، كما سمعناه في فيديوهات سابقة على الحرب، واثقة مفعمة، تنغّم صوتها، تقول: "كنت شاعرة ورسامة وسباحة، هلقيت حاليا لا بقدر أسبح ولا أمشي حتى صوتي خف بطلت أعرف أحكي شعر".
وهذه رهف الماسي، الطفلة النحيلة، نراها تصمع الشاري على الموقدة، تقول: "أساعد والدي في العمل، فأضنع الشاي على الموقدة ونبيعه للناس، فنسكب رزقنا، حلمي فقط أن أعيش دون خوف".
وهذه سلوى تذهب يوميًا وتصطف في دورها حتى تعبئ الماء، تؤلمها قدماها ولكنها تحتمل، فهذه مهمتها في الحرب، لتوصل لعائلتها ماء الشرب، تقول: "حلمت دومًا بأن أصبح ممرضة، وأساعد الناس وأخفف ألمهم".