كنا، قبل أشهر قليلة، نرصد معاناة الغزيين ومجتمعات الحرب، من خلال الظروف السائدة، فإذا بالقصف يدمر أكثر من 250 ألف وحدة سكنية ويقتل 40 ألف إنسان، تحت الأنقاض أو فوقها، أو حتى في مقابر جماعية، عثر على بعضهم فأسموا: بمجهولي الهوية، أو لم يعثر عليهم فأسموا: بالمفقودين. أطفال استشهدوا، ومعظمهم تحول إلى أشلاء، ومنهم جرحى فقدوا أطرافهم فأسموا: مبتورو الأطراف، ومنهم من فقد كامل أفراد أسرته فسمي: بالناجي الوحيد، ومنهم من قتلوا مجهولين، ومنهم من كتبت أسماؤهم على جلودهم.
أواخر الخريف: بدأت الحرب على غزة
ومن ثم رصدنا موتًا بسبب سوء التغذية والحصار الذي فرضه الاحتلال فأصبح ما يشبه المجاعة التي تطوق غزة وأهلها، فمات أكثر من 30 رضيع وطفل في الحضانات لقلة الحليب، وغيرهم ممن لم يجد أهلهم غذاء في منطقة الشمال، فأسميناها مرحلة المجاعة.
ومن حل الشتاء، فغرق أهل الخيام، وصاروا كأنهم يعيشون بين أنهار جارية، ولا أغطية كافية، والأطفال ينامون تحت الأمطار دون لباس أو غطاء، أو أماكن عيش تقيهم من المطر، فمدارس النزوج مزدحمة، والمستشفيات تغص بالناس، حتى ممراتها وساحاتها، فلجأ الناس إلى الخيم التي لا تقي حرا أو بردا.
دخل الشتاء: وغرقت خيام النازحين
ومن ثم جاء شهر رمضان، وما أقساه والموت لم يتوقف، القتل كان سحورًا وفطورًا، يمسي أهل غزة على القصف والقتل، ويصبحون على صلاة الجنازات والوداعات التي لا تتوقف. كل يوم يفقدون أخًا وأبًا أو جارًا على مائدة الإفطار الخالية من الأحبة والطعام. فحلّ العيد، وبأي حال عدت يا عيد؛ في ليلة العيد ارتكب الاحتلال ما يزيد عن 4 مجازر راح ضحيتها العشرات من عائلة هنية والطباطبي وغيرهم، فكان صباح العيد داميًا، يصلي فيه الغزيون صلاة عيد وصلاة جنازات.
والآن يجيء الصيف، والحالة لم تتغير، بل زادت سوءًا، فالقتل ما زال قتلًا، والمقابر الجماعية يعثر على المزيد من المجهولين أو أشلاء المعلومين فيها، مكبلي الأيد والأرجل ومعظمهم من النساء والأطفال والأطباء، فهذه معركة العدو، وهذه إنجازاته، وهذا بنك أهدافه!
حلّ الصيف ولم تتوقف الحرب في غزة
ما يقارب سبعة أشهر انقضت من الحرب، تقلبت فيها الفصول والمناسبات، والحرب لا زالت مستمرة، قصف وقتل وإبادة ومجازر، في حصار وقطع للكهرباء والماء والطعام والموارد الطعام. وهاهو الصيف يحلّ، و"بنفسج" ترصد أحوال غزة وأهلها، وكيف تسير الحياة في الخيام، وقد كانت الأمهات يلبسن أبناءهن الألبسة المبلولة في الشتاء، فلا ألبسة كافية، ولا شمس تجففها! فماذا حصل عند سطوعها.
تقول مريم، وهي نازحة في الخيام في رفح: "كنا نتوسم خيرًا، فإذا به حرّ حارق، لم أكن أعلم أن درجات الحرارة تمتصها أقمشة الخيام، نحن نذوب من الحر ونحن لا زلنا في بداية فصل الصيف، ماذا سيحل بنا في شهري حزيران وتموز".
"عندما نذكر الصيف فإننا نتذكر الماء البارد"، هذا ما تقوله أسماء، موضحة: "صيف حار، ولا ماء للشرب فضلا عن الماء العادي، ولا مجال للاستحمام كلما أردنا، نهرب إلى البحر، هذا الحل المتوفر أمامنا. كما أننا نبرد الماء مقابل شيكل واحد عن القنينة الصغيرة".
وتقول أم أخرى نازحة: "منعاني كثير من الشوب، اليوم جو شوب حار حر شديد الولاد عنه الصغار أكثر إشي بفرفطوا، بحزن عليهم، العرق من عنيهم بسييل، إحنا قاعدين بخيمة هان والخيمة مفش السقف إلا شقفة هالشريطة وإلي فوقيها النايلون عشان المطر، جاب هادا شوب، كتير تعب إلنا وللصغار. أنا مريضة ضغط يعني من كتر الشوب بحس الضغط ارتفع ،قبل شوية رحت حطيت ع حالي مي، أدير ع حالي المي من كتر الشوب، بعدين يا ريت الشوب بس بعيد عنك كمان الزبالة البامبرز، وين ما كان حفاضات الصغار برموا وين ما كان فش مجمع للقمامة
فش حدا بيجي يلم الزبالة، يعني إيش أحكيلك كل المجاري من تحت رجلينا بمشوا والمرض الله يستر ما ينتشر والوباء، والله العظيم اليوم رحت عالمدرسة عشان أمشي حطينا حجار نمشي من فوق الحجار عشان تحتينا بعيد عنك المجاري والقرف، والله يستر إيش يصير فينا يعني إيش ننسوي الحمدلله.
تفشت الأمراض والأبئة مع حرارة الجو، كما انتشرت حشرات غريبة تسللت إلى الخيام، وتوفي خلال الفترة الأول من الصيف نحو 3 أطفال من حرارة الجو.
بدنا حل لهاد كله الي بصير طب إيش ذنب الولاد الصغار هاد الطفل إيش ذنبه هاد الطفل الصغير يعيش بجو زي هاد شوب وقرف. اتطلع هاد منظر، مش حرام،كنا عايشيين بشقة ويا محلانا كان يمشي ع مكيت، كانت الشقة كلها مكيت، أقسم بالله كان ينام ع حرير، اتطلع هلكيت كيف اليوم إيش ذنبه هاد الطفل هاد الطفل، من الآف الأطفال الفلسطينية الي زيه وأنا وحدة من آلاف الأمهات الي زيي بنعاني من الشوب، هاد الطفلة إيش زنبها، مش حرام هي البنت تعيش في جو زي هاد الجو إيش زنبهم إلي ارتكبوه مشان يعيشوا زي هيك".
تفشت الأمراض والأبئة مع حرارة الجو، كما انتشرت حشرات غريبة تسللت إلى الخيام، وتوفي خلال الفترة الأول من الصيف نحو 3 أطفال من حرارة الجو.مع تقلب الأجواء والفصول، تتعدد أسباب موت الأطفال والنساء في القطاع، وتزداد معاناتهم معها، ولا زالت الحرب مستمرة.