بنفسج

الأصوات المهمهمة بماذا حقق السابع من أكتوبر؟

السبت 18 مايو

الأصوات المهمهمة بـ "ماذا حقق السابع من أكتوبر، إذا كان المطلوب الآن هو العودة لما قبله؟!"، أصوات لا يترجم عقلي حديثها، ولكن مادامت الهمهمات قد شرعت في التصاعد فالردُّ عليها -وإن كان بديهيًا- قد أضحى واجبًا!

لن أتحدث عن عودة القضية إلى الصدارة أو عن عين العالم التي باتت لا تفارقها، لأني لن أجيد هذا الحديث وحقيقة الأمر أن شيئًا منه لا يعنيني، عادت القضية إلى الصدارة أو لم تعد، فهي لم تفارق صدارة حياتي كلها يومًا، اهتم بها العالم أو غفل عنها هي عندي في أول الاهتمامات وأعدل القضايا، الحق فيها بيِّن والباطل كذلك.

الأدعى هو الحديث عن فكرة "المقاومة"؛ على الرغم من كونها أكثر بديهية في عيني من النقطة السابقة، فمادام هناك احتلال لابد أن توجد مقاومة، والاحتلال المجرم المحاصِر المتمعِّن في الإذلال والترهيب يخلق مقاومة شرسة..متى تختفي المقاومة؟! باستعادة الحقوق وطرد الاحتلال.كل الاتفاقيات والمفاوضات ما لم تتضمن هذين الشرطين هي هدنٌ مؤقتة لحرب مستمرة ولنارٍ مستعرة لا يطفئها غير الثأر أو العودة.

تعرف إسرائيل ذلك جيدًا وهو لب مرادها من اختيارها فلسطين دولة لها؛ ليغادر السلام هذه المنطقة التي لا ينضب خيرها إلى الأبد، لا الهيكل المزعوم ولا الميعاد الذي لم يُبلَّغوا بساعته ولا الهراء الذي يقصونه على العالم ليلًا ونهارًا مدلِّسين -كما هي العادة- ومتفننين في تمثيل دور الضحية.

الغريب حقًا هو من يشير بالـ"إرهاب" للمقاومة في مبادرتها لرفع الحصار ورفض الذل في تضليل واضح ومحاولات فجة لخلط الأوراق وتشتيت العقول. والفرق جوهري بين جريمة دولية يتم فيها استخدام العنف بغية نشر الفوضى وترويع الآمنين في بيوتهم وأراضيهم، وجهادٍ مسلحٍ في سبيل استعادة الحقوق ورفع الظلم والذي هو نشاط من أنشطة حركات التحرر الوطني المشروعة.

لفصائل المقاومة الفلسطينية أخطاء فيما حدث لا أنكرها، ولكن المروءة تتنافى ونقاش أخطاء الناس في ساعات انشغالهم بما هو أشقُّ وأسمى، وقعت المقاومة في أخطاء جسام ليس من بينها -في نظر أحرار العالم أجمع- مباغتتهم لإسرائيل بعبور السياج الفاصل بين غزة وغلافها صبيحة السابع من أكتوبر.

وهنا نصل إلى سؤال قُتل بحثًا منذ بداية الحرب على غزة.. هل كان أهل غزة قبل الخامسة صباح يوم السابع من أكتوبر يعيشون حياةً طبيعية ؟! بالطبع لا.ومَن يلوم الإنسان على محاولته الفرارَ من الموت لا يختلف كثيرًا عن قاتله، أو كما قال الكُتَّاب سابقًا وكرروا بأن العالم يتضرر من صوت ارتطام الضحية بالأرض، يطالبها أن تموت بلا صخب، أن تُذ.بح دون تلويثٍ للمكان بالد.ماء.

السابع من أكتوبر أسقط فزاعة معاداة السامية إلى الأبد، وفتح العالم على العالم انفتاحًا حقيقيًا، أرى منَّا للشعوب الغربية وجهًا صحيحًا غير النوق والخيام المرسومة عنَّا في أذهانهم..تحياتي القلبية لمن فتح الله عليه بتسميته "طوفان" فهو الطوفان صدقًا؛ أطاح بمفهوم الـ"إسلاموفوبيا" من العقول بالخارج، وهزَّ القلوب والأذهان بالداخل؛ كشف لنا وهنَ إيماننا بجانب إيمانهم، وخواء عقول أطفالنا أمام ثبات عقول أطفالهم.

أما الترويج لأن العودة لما قبل السابع من أكتوبر هو ما ترنوه المقاومة ففيه مغالطة كبيرة؛ فما أيسر ترميم الحجر وإقامة المباني مهما طال الزمن، ولست أظن عودة السلام الزائف لغزة هو ما ترنوه المقاومة قدر ما ترنوه إسرائيل بعدما اهترأت صورة لها مزيفة بذلت في سبيل تكوينها مليارات الدولارات وسخرت لرسمها جنودًا في كل مكان..

أمل إسرائيل اليوم هو استئناف تدفقِ المستوطنين وتوافدِ السياح والمستثمرين على تل أبيب كأن شيئًا لم يكن وكأن أمنًا لهم لم يخترق، وهما أمران ضربا في مقتل منذ اليوم الأول للحرب.بما حققته إسرائيل من جرائم بشعة أصبحت العودة مستحيلة، وما حدث -بقصد أو بغير قصد- هو نقطة البدء التي منها سوف يمتد -عاجلًا أو آجلًا- خطٌ نحو التحرير الكامل.

أسمعك! وأنا معك! .. خمسة وثلاثون ألف شهيد وتحت الركام مثلهم ثمنٌ باهظ، والدماء المراقة بأبشع الطرق على مدار نصف عامٍ دون رحمة تربك الفكر وتهز الإيمان؛ ولكنها تؤكد أن السابع من أكتوبر كان أمرًا حتميًا واقعًا لا محالة في القريب العاجل أو البعيد الآجل..

ما خسرته غزة غالٍ وعظيم، لكن الحرية أغلى والعودة للوطن أعزّ، ولعل آخرُ من يُتوقع منهم اللوم على من يدفعون دماءهم ثمنًا لتحرير أرضهم هم نحن المصريون؛ لأننا أكثر الشعوب إيمانًا بأن ما أُخذ بالقوة لا يستردُّ إلا بالقوة، وأسعدها بالموت في سبيل الله والوطن، وأحرص الناس على حفظ الأرض والكرامة.