بالأمس، استشهد نحو 35 فلسطينيا وأصيب عشرات آخرون في قصف إسرائيلي على مخيم للنازحين شمال غربي رفح، في جنوب قطاع غزة، وقال الدفاع المدني في القطاع إن ما حدث مجزرة مكتملة الأركان، مشيرا إلى الكثير من حالات البتر والحروق الشديدة، والضحايا من النساء والأطفال جراء مجزرة المخيم.
وتصر إسرائيل في كل مناسبة على القول بأنها لا ترتكب إبادة جماعية، والحقيقة أن تعريف الإبادة قانونيًا هو "التدمير المتعمد والمنهجي لمجموعة من الناس بسبب عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم أو أصلهم". ووُقعت اتفاقية وافقت الأمم المتحدة عليها بالإجماع سنة 1948 ووضعت موضع التنفيذ 1951، تتضمن الاتفاقية، بِمُوجِب المادة الثانية، "تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية، المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة
(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة
(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى
اكتملت مشاهد الإبادة في أركان الإبادة الجماعية التي تجسدت في كل المجازر التي ارتكبتها إسرائيل منذ استهدافها قطاع غزة؛ إذ ارتكبت ما يزيد عن 3000 مجزرة حتى الآن راح ضحيتها أكثر من 35.800 شهيد، و 80 ألف جريح، 15 ألف طفل، و11 ألف امرأة و10 آلاف مفقود، و2 مليون نازح، و5 آلاف معتقل.
محرقة رفح: قامت القيامة في تل السلطان
لم يكد أهالي غزة الاعتياد على حياة النزوح، فبالكاد يستطيعون العيش في الخيم، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا فراش ولا معدات للطبخ ولا مرافق صحية. نزح الأهالي إلى الأطراف التي يظنون أنها أقل خطرًا وهم يعلمون أن لا مكان آمن فيها، وبالفعل، هطلت صواريخ وأطنان من المتفجرات على الخيم والبركسات في منطقة تل السلطان التي نزح إليها الغزيون خلال الحرب وبلغ عددهم 100 ألف نازح من أصل مليوني نازح، ولا شيء يقيهم من هذه المتفجرات، بل تسقط مباشرة فوق رؤوس النيام، لنشاهد الأجساد متفحمة والرؤوس مقطوعة، لم تُشاهد جثة واحد مكتملة، ولم يحتو قبر واحد جسدًا بأجزائه. وقالت وزارة الصحة أن غالبية المستهدفين كانوا نساء وأطفلًا نيامًا، دمرت فيه البركسات واشتعلت النيران في أقمشة الخيام والتهمت كل شيء فيها مع قلة مقتنياتها، وأكد الأهالي أن القصف المباشر جاء دون تحذير مسبق بالإخلاء والاحتلال يعلم أنها مناطق يقطنها الآلاف وهي مزدحمة بالعائلات.
وشاهدنا في الصور والمشاهد أن طواقم الإسعاف لم تستطع انتشال الجثامين المتفحمة إثر القصف الإسرائيلي للمخيم، بشكل متواصل. وكان الاحتلال قد قصف مراكز الإيواء والنزوح قبل قصف خيام تل السطان بساعات استشهد وإصايب خلالها 190 مواطنًا، وهذا مما يدل على الأهداف الانتقامية التي يريد الاحتلال تحقيق إنجاز واهٍ منها.
والرسالة من هذه المحرقة واضحة في مضمونها، وهي إبادة الفلسطينيين إبادة جماعية ووجودية، وهم ينفذونها على وجه أبشع وأكثر دموية على مشهد الكاميرات والصحافة والعالم أجمع، وفي الوقت التي لم تغلق محكمة العدل الدولية أوراقها في الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا. في الوقت الذي يغلق فيه معبر رفح منذ مدة وتتوقف المساعدات الإنسانية منذ بداية مايو/ أيار الجاري.
الرسالة من هذه المحرقة واضحة في مضمونها، وهي إبادة الفلسطينيين إبادة جماعية ووجودية، وهم ينفذونها على وجه أبشع وأكثر دموية على مشهد الكاميرات والصحافة والعالم أجمع.
وقد أكد الهلال اأحمر الفلسطيني أن المنطقة التي استهدفها الاحتلال "إنسانية" سبق أن أجبر الفلسطينيون على النزوح إليها. أما الأطباء في رفح فقد أعلنوا أنهم لا يستطيعون التعامل مع الحروق التي أصيب بها الأطفال والمواطنيين، كما أن تدفق الأعداد وتزايدها أمر يفوق طاقة الكوادر والمستشفيات. مع تأكيد الدفاع المدني أن المنطقة التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي شمال غربي رفح يوجد بها 100 ألف نازح، شن عليها الاحتلال الإسرائيلي شن 3 غارات على أحياء سكنية في رفح بعد قصفه مخيم النازحين.
محرقة رفح :مشاهد وشهادات
المشهد الأول:
"الله أكبر، الله أكبر، حسبنا الله ونعم الوكيل....الشطية أخذت رأس ولدي...تشوه جسد طفلي"، تصرخ الأم بصوت متقطع، تحاول النهوض، فتقع مجددًا، تحاول احتضان ما تبقى من جسد ابنها، ويمنعها طاقم الإسعاف بسبب تشوه الجسد بدون رأس. تلفه ببطانية وتحضن أجزاءه وتصمت.
المشهد الثاني:
يحاول المسعفون إخلاء جثة متفحمة، لا يُرى منها شيئًا، في مشهد يدمي القلب، فلا يستطيعون جذبها من النيران الملتهبة معرضين أنفسهم للخطر مع استمرار القصف.
المشهد الثالث:
النيران شديدة والدخان يعبق المكان، ولا مجال للدخول في أتونه، يجسر أب ألسنة اللهب ليلتقط جسد ابنه الصغير، ليس فيه من الجسد باق، أشلاء، اليدان مبتورتان، الأحشاء متدلية، الرأس متهشم، حسبنا الله ونعم الوكيل يقولها الوالد وحسبه!
المشهد الرابع
صبيحة يوم المجزرة، سارع الأهالي للبحث عن ذويهم المفقودين لعلهم يجدونهم بين أكوام الركام وباقي الخيم والبركسات المحترقة، أحدهم يقول: أبحث عن أشلاء ابنته عمي، لقيت بس راسها، وشويه أشلاء، كنا قاعدين وفجأة بلش القصف، ما حد لاقي جثث ولاده، كلها أشلاء...حسبنا الله ونعم الوكيل".
محرقة رفح: أسئلة بلا إجابات
أتظن أنك حقًا غير مسؤول؟
هل سيعفينا مرور الزمن، وتقادم الحدث من مسؤوليتنا اتجاه إخوة الدم والعقيدة؟ من نار لم تفرق بين خيمة ولحم وعظم، فحولتهما إلى كتلة متفحمة؟ هل نظن أن صراخهم لن يلاحقنا في نومنا وصحونا؟
لماذا ارتضينا بالعجز حالًا لخير أمة؟
قصفت بيوتهم وصارت رمادًا، ذهبوا إلى خيمة قالوا: تؤنسنا، تسترنا فأحرقوها بمن فيها...ماذا نريد أكثر كي نتحرك؟
لا يخجل أحدنا من نفسه وهو يقول، لا أملك، لا استطيع، لا يمكن، دون حتى أن نُحاول، ألا نخاف أن يستبدلنا الله؟ أو تصيبنا دعوة مظلوم حين يقول:" الله لا يسامح أي حدا قادر يعمل اشي وما بعمل؟"
هل نقف بسكوتنا في صف المحتل؟
شئت أم أبيت، أدركت هذا أم لم تدرك، فنحن بهويتنا العربية والإسلامية، جزء من المعركة، سكوتنا يُفرح المحتل ويقويه، يجعله يتفنن في أدوات القتل، يخرج بتصريحات فيقول، سنقتل وندمر ونحتل، ونحن نعلم أننا قي مأمن منكم، ولن نؤتى من طرف أمة العرب والمسلمين.