ربما يغيب عنا في زحمة المشاهد البطولية للمقاومة الباسلة تسليط الضوء على تفاصيل الصورة الكلية لتلك المشاهد، من صنعها ومن دفع بهم إلى هذا الفداء، تشدنا الصورة المباشرة ونغفل عن تفاصيل تشكيلها، رغم إدراكنا أن الصورة بتفاصيلها مجتمعة هي من صنعت البطولة، ولعل بعضنا يلتفت لها التفاتة إنسانية تغلف أحيانا بنظرة فخر، لكنها لا تعبر عن حقيقة دور المرأة الفلسطينية الذي لولاه لما كان الشهيد بطلًا ولا العمليات بطولية ولا المشهد استثنائيا.
المرأة الفلسطينية والنضال: الحاضر الغائب
في الحديث عن دور المرأة في الدفاع عن فلسطين، يغدو السؤال ترفًا فكريًا إذا ما تعلق بالمرأة الفلسطينية خاصة،في موسم الإبادة الجماعية والانخراط الكامل في المعركة الملتهبة؛ قتلًا وتشريدًا وتجويعًا واعتقالًا.لقد صدّر الطوفان ولا يزال نماذج بطولية لنساء أبدعن في تقديم دروس غير معهودة في الثبات والصمود، وهي دروس غير تقليدية كتلك التي نتلقاها ونتذمر من حضورها، فهي دروس استثنائية مشبعة بالعزة والشموخ، رغم قساوة الألم تفيض رفعة وأمجاد رغم كارثية المشهد الإنساني.
إن منهجية الاحتلال في ضرب النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وتشريد مئات الألاف من النساء في مخيمات بائسة أضطرت فيه المرأة لمواجهة الواقع بصلابة، حين وجدت نفسها تواجه أوضاع التشرد واليتم والجوع، وتحمل وزر النزوح خاصة في ظل غياب رب الأسرة،الأمر الذي شكل تحديًا كبيرًا لها.
المرأة الفلسطينية أيقونة تحمي المجتمع من الانهيار
مثلت المرأة الفلسطينية ضمن هذه الظروف القاهرة -إلى جانب إعالة ورعاية أسرتها - عصب التثبيت والركن الأساس في تدعيم المجتمع من الانهيار، وعملت ولا تزال على ترسيخ فكر الصمود بين أبنائها ومحيطها، فكانت حاضنة لهم رافعة لقيم الثبات حامية لأسرتها من الانهيار النفسي في خضم حروب الإبادة المستعرة والنزوح المتجدد والتجويع الممنهج وتفشي الأوبئة. ولولا صمود وبسالة المرأة الفلسطينية في المعركة القائمة لانهارت الحالة الفلسطينية صمودًا ومقاومة، ولعل استهداف الاحتلال للمرأة الفلسطينة وتعمده قتلها وقتل كل ما هو حي بغزة يجعلنا ندرك مركزية دورها وعظمته في ظل الطوفان.
إن الطبيعة التي أحاطت بالمرأة الفلسطينية والظروف التي صاحبتها، والتنشئة الوطنية ذات الأبعاد الشمولية أثرت بمجموعها على طبيعة شخصيتها فأخرجت امرأة صلبة قوية الشخصية، رفيعة الشأن كان لها الأثر الأكبر في صياغة شخصية المجتمع في غزة وفلسطين عمومًا، صياغة بالغة الأصالة والإبداع أثمرت نماذج مقاومة عاشت لوطنها، تقتحم حصون الشهادة وتدك عروش الصهاينة وتعيد للشعب المكلوم شيئًا من الأمجاد؛ ولولا هذه التربية العقائدية للأبناء لما كانت هذه البطولات.
المرأة الفلسطينية وصياغة شخصية المجتمع المقاوم
يمكننا القول أن المرأة الفلسطينية عصب رئيس في النضال التحرري الفلسطيني في كل محطاته ومختلف ميادينه تاريخًا وواقعًا، ودورها في المقاومة اتخذ أشكالًا متعددة، سواء كانت مواجهة مباشرة بالاشتباك مع المحتل وغير مباشرة في إعداد أجيال ممتلئة إيمانًا بقضية شعبها ومقبلة بإقدام على التضحية والفداء.
كما أن صمودها شكّل مصدر تحفيز وعلامة فارقة في تصدر نساء وطالبات لحراكات جماهيرية ملتهبة حول العالم، ليس تضامنًا وتعاطفًا وحسب؛ وإنما دفاعًا عن قيم الحرية والنضال التحرري العالمي. على أن التميز الكفاحي الذي تخطته المرأة الفلسطينية في مراحل النضال المختلفة لا يزال يفتقر إلى توثيق موسوعي يؤرخ لأدوارها المحورية عبر الطوفان وما سبقه من محطات تاريخية توثيقًا يليق بتضحياتها كمنارة للشعب الفلسطيني وعنوانًا عريضًا من عنواين كفاحه.