البداية: يقول رجل نازح إلى رفح: "حكولنا انزحوا ع رفح وكنا أول الناس الي نزحت ع رفح وهيها رفح انقصفت بنموت في رفح نفسها، فش مكان آمن ...كله ساكت كله سايبنا نغرق في دمنا".
امرأة ترتدي ملابس الصلاة، تجلس على عربة للنزوح للمرة الثالثة: "مرقنا في الممر الآمن شفت الناس بتتقتل، ما صدقنا خيمة تأوينا، هددونا، رحنا ع مدرسة، أجت دبابات ع بابها، أول مرة بنشوف دبابة، شلحوا الزلام وطلعوهم، وناس اتقتلوا...اتبهدلنا، ورجعنا ع الخيم، لحقونا، حرقونا، وين نروح...".
شاب عشريني مصفر الوجه، يقول: "أشلاء مقطعين محروقين... أنا عمري عشرين سنة مش قادر أستوعب إلي شفته، محداش بتحمل الصاروخ لما ينزل ع دار بلقيه إشي بس الخيمة خلص بنحرق فيها حرق، مقطعة روسهم المنظر بخوف". ورجل عجوز مهيب يقول: "إحنا أبرياء نزحنا، ولكننا نقتل ونذبح كل يوم، إسرائيل لا تتوقف عن الحديث عن الهولوكوست، ولكنها تفعلها كل يوم في غزة".
المحرقة: ناجية من محرقة الخيام في رفح

"نحن ذاهبون إلى دير البلح نحن نازحون من بيت حانون منذ بداية الحرب خرجنا من بيت حانون إلى معسكر جباليا ومن المعسكر ذهبنا لدير البلح وطلعنا ع النصيرات ومن النصيرات عالدير بعدين جينا ع رفح احنا لوقتيش ننظل ع هالحال إحنا تعذبنا ورجعنا للصفر بدنا نعيش أحسن من هالحال الليلة الأطفال كانوا يصرخوا واللحم يلمللوا اللحم بالبطانيات والشهداء مرميين والنساء تصرخ والأطفال تصرخ والشباب تصرخ إحنا الي شوفناه ما عمرنا توقعنا نشوفه بدنا نعيش بدنا نعيش".
ضحايا...عائلات بأكملها

رزق بهم والدهم بعد عشر سنوات وعدة محاولات زراعة كانت تبوء بالفشل على الدوام، كانوا أمل والدهم ووالدتهم والعائلة بأكملها، سبقوا أقرانهم بالذكاء ورجاحة العقل، فكانوا أكبر من سنهم، كانت والدتهم تقول في آخر لقاء لهم قبل الحرب: "بتعب عليهم كتير عشان أرتاح بعدين ويكونوا متل ما بدي"...
التوائم غلا إبراهيم السنوار، غنى إبراهيم السنوار، إسماعيل إبراهيم السنوار، كانت وفاء كل حياتها أولادها، تكرس جُلّ وقتها لتعليمهم كيفية التعامل مع من حولهم وكيفية اللباقة بالتحدُّث والنظافة والأدب والترتيب في كل أمور حياتهم، حتى أنها لم تتوانى لحظة في تعليمهم الصلاة وتحفيظهم القرآن وتعليمهم علومه، كنا عندما نتحدث أو نتعامل معهم نشعر بأننا نتعامل مع أشخاص كبار لذكائهم وأدبهم وطريقة تحدثهم اللبقة الشُّجاعة.
كنا ننعتهم ب " الغوالي" وأمهم ب"أم الغوالي" كانوا غالين جدًا على كل من عرفهم وعلى كل من تشوَّق لأن يرى أطفال أم سمعة وأبو سمعة، لكن الاحتلال وأد هذا الحلم الذي كان في بداية بزوغه وحرمنا إياهم، في الثامن من ديسمبر لعام 2023 استشهدت وفاء أحمد حمدان "أم الغوالي "وأطفالها " الغوالي " في استهداف غاشِم لعائلتها، راح ضحيتها وفاء وأولادها وأمها وأخواتها وإخوتها وأبناءهم.
مجازر تل السلطان والمواصي وغيرها
ممرضة تجلس على أرضية المشفى وتبكي بكل ما فيها وهي تحمل طفلًا، أو بالأحرى، جثة طفل ملفوف في بطانية: "يالله ياربي يالله، مش قادرة أصدق، في 23/ 10 استشهدوا أمه وأبوه، هاني مواليد الحرب، استخرجوه من بطن أمه، رباه عمي ومرت عمي، ستو وسيدو بكونوا، ومبيرح استشهدهن خواتي وبنات عمي وولاد ابن عمي ومرت ابن عمي، هاد الولد اسمه هاني محمود، ولد بالحرب ومات بالحرب، استشهدت أمه وأبوه وهو استشهد...لحقهم".
مدارس الإيواء والمخيمات تحت النار

قصفت مدرسة النزلة وهي مدرسة إيواء نازحين، مشاهد دماء، على الأرض وفي الزوايا والدراجات الهوائية، أناس ينزحون للمرة العاشرة وهاهم ينزحون مرة أخرى، وفي المشهد أطفال يبكون وهم يختبئون في تنانير أمهاتهم.
مغطاة وجوههما بالرماد، الطفلة جوري منصور 3 سنوات نجت هي ووالدها من قصف إسرائيلي بمخيم البريج، يركض بها من الأنقاض إلى غرفة الطوارئ، لا يُكاد يرى من وجهيهما شيء، ولا يُعرف عن بقية عائلة أي معلومة، هرب بابنته مشدوهًا من هول ما رآه في المجزرة.
يقول رجل من مخيم النزوح: "كنا نبني خيمًا للنازحين وكانت حركة نزوح كبيرة، اتفاجأنا قصف ع ناس عزل اتفاجأنا بقصف غادر، استشهدوا 5 أطفال و30 إصابة كلهم نساء وأطفال في نفس المكان".
طفل: "الناس مقطعة هون وهون مش قادرين يلموهم، وفي ناس من الحريق والنار لسا ما طلعت. لما سمعت الصوت وفجأة كل الأرض الدم قلت خلص رحنا فيها، انصبت أنا وأخوي، ما شفت واحد جثة كاملة، كلهم نصاص أو فش جثة بالمرة...وقتيش يوقف كل هاد؟!".
"الناس مقطعة هون وهون مش قادرين يلموهم، وفي ناس من الحريق والنار لسا ما طلعت."
وقال نازح من شمال غزة قبل خمسة أشهر إلى رفح "ألقوا منشورات تطالبنا بالذهاب إلى المنطقة الإنسانية في تل السلطان، فامتثلنا وجئنا إلى هنا، بالأمس، بينما كنت أتناول العشاء، شعرت فجأة وكأنه زلزال. اهتزّت الأرض بعنف، لم يصب الناس أو يقتلوا فحسب، بل تفحموا، ابنة ابن عمي، طفلة لا تتجاوز 13 عامًا كانت بين الشهداء. لم تبق لها ملامح على الإطلاق لأن الشظايا فتتت رأسها".
تقول امرأة: "أنا من مخيم السلام، كنا قاعدين بنصلي المغرب قاعدين آمنين، مرقت شظية ما بعرف من وين، من ورا البركس، أخدت راس ابني، راس محمود ومخه، مخه طار عالبركس، خواته قاعدات وبنته ومرته محداش صارله إشي بس محمود ابني اخته تصاربت هو شهيد الله يرحمه، الله يتقبله الحمدلله هاي ثاني شهيد إلي في الحرب هاي ابني ومرته في ١٠/١٠ وضل إله ولد وهلقيت ابني الثاني… محمد كان قاعد بصلي المغرب وراح ضوت الدنيا وشفت راسه عالأرض".
تقول ممرضة تحمل السيروم بيدها وتحتضن طفلًا صغيرًا بين يديها: "بعد ما طلع الأندونيسي وكمال عدوان عن الخدمة أجو هان، أنا أصلا من الشمال، اتفاجأت إنه المريض قريبي وكل أهلي استشهدوا. اتفاجأت كنت بداري بالجرحى، أنا ممرضة، بحكولي محمد مدحت أبو عمشة استشهدوا أهله كلهم، هاد ابن خالتي...".
وفي شهادة شاب هرع إلى مكان الحريق قال: "بندور ع راس مفقود وجثة لأصحاب البيت الي كانوا هون نفلنا الدنيا طلعنا جمجمة وقطع لحم ودفناهم، ما في جثة ولا راس. بعد المغرب اتفاجأنا بانفجارات قوية انقصف المكان الذي يسكن فيه أبناء عمومتي نساء وأطفال وشيوخ ٥ شهداء وجيران ٢٥ شهيد".