بنفسج

فاطمة سليط: خنساء طولكرم وأم الأبطال الثلاثة

الإثنين 01 يوليو

امرأة من نساء مخيم طولكرم العظيمات الشامخات الصابرات، فاطمة سليط، أم الشهيدين البطلين أحمد ومحمد مطيع سليط، وأم الأسير محمود مطيع سليط، الملقب بـ"هنود".تكرر مشهدان، متشابهان، ومتلاحقان، ليس بين أحدهما شهر ونيف، الأم الصابرة المحتسبة التي تقف ثلاث مرات؛ الأولى عندما استشهد ابنها أحمد فقالت: "أنا مبسوطة منك يما، أنت بطل، الله يرضى عليك يما، ولا أقول إلا ما يرضي الله، إنا لله وإنا إليه راجعون".

والمرة الثانية عندما وقفت بشموخ، رغم قصر الفترة الزمنية، وقلبها لا زال جريحًا حزينًا على أحمد، تسمع خبر اعتقال ابنها محمود جريحًا مصابًا دون أن تصل عنه أي أخبار، وفي المرة الثالثة، تقف مرة أخرى، أمام كفن ابنها محمد، فتقول: "ابني مش أحسن من ولاد غزة، لا أقول إلا ما يرضى الله، إنا لله وإنا إليه راجعون...الحمدلله، ابني عريس". وتقف إلى جانبها في كل مشهد نساء طولكرم ونابلس، وبناتها الثلاثة، مساندات ومحتسبات وصابرات.

محمد وأحمد سليط: رفيقان في الحياة وفي الشهادة

أم الشهيدين محمد وأحمد سليط والأسير محمود سليط.jpg
صورة تجمع الشهيدين  محمد وأحمد سليط بأخيهم الأسير محمود سليط

فاطمة أم لثلاثة شباب وثلاث بنات، هم زينة الشباب، وهن زينة الصبايا، سند لأخواتهم وأمهم، لهم روح طيبة حنونة، تروي الأخواث الثلاث الرواية ذاتها عنهم، يلبون والدتهم ويحرصون على رضاها. أصغر أبنائها والراحل الأول هو أحمد سليط، 20 عامًا، قائد سرايا القدس في "كتيبة طولكرم للرد السريع"، اعتقل مرة وأُصيب مرتان.

تقول والدته فاطمة: "لقّبه الأسرى بعماد عقل، لأنه يُشبهه بالابتسامة والهدوء والأخلاق والتدين". تُعرّف فاطمة ابنها الأصغر بكونه زاهداً في الدنيا لم يسعَ لهدفٍ ماديٍّ فيها؛ "حنون على عائلته وعلى الناس، ولكن شرس على العدو، كان يُطبّق الآية "أشداء على الكفار رحماء بينهم".

كانت شظايا الرصاص العالقة في بطن أحمد وقدمه تسبّب له الألم اليومي، لكنه رفض إزالتها "حتى تكون شاهدة عليه أمام الله". في 22 تشرين الثاني 2023، كان أحمد أول أبناء فاطمة وأصغرهم من الراحلين؛ استشهد بعد أن اغتاله الاحتلال بمسيرة مفخخة برفقة الشهداء محمد أبو عنيّن، ورامي الشوملي، وعدي الزيات. أما ابنها الثاني محمد سليط، فقد استشد في 17 يناير 2024 بعد أن استهدفه قناص بطلق ناري، وقالت أمه يومها بفخر: "قالوا لي ابنك مات مشتبكًا، ابني بطل، ابني عريس".

الأسير محمود سليط: شبيه أبوهنود المُسمى على اسمه

أما الابن الثالث فهو محمود "هنود" فقد اعتقل، قبل استشهاد محمد بفترة قصيرة، في الثامن من يناير 2024، ولم يسعه تكفين أخاه الثاني. لُقّب محمود بـ "هنود"، لأنه ولد في نفس تاريخ ميلاد الشهيد البطل محمود أبو هنود في 22 تشرين الثاني، ولتعلقه الشديد بسيرته البطولية.
 
"علمنا من الإعلام بأنه مصاب، وانقطعت الأخبار 3 أشهر، حتى تمكن من الاتصال بنا، للاطمئنان علينا، وقال لي أن إصابته في قدمه، وأنه كان في سجن الرملة، وهناك أجريت له عملية في ركبته وزرع فيها البلاتين. قال لي الشرطي في الاتصال: اسمعي صوتك لابنك وكان شعورًا صعبًا جدًا علي.

أما الابن الثالث فهو محمود "هنود" فقد اعتقل، قبل استشهاد محمد بفترة قصيرة، في الثامن من يناير 2024، ولم يسعه تكفين أخاه الثاني. لُقّب محمود بـ "هنود"، لأنه ولد في نفس تاريخ ميلاد الشهيد البطل محمود أبو هنود في 22 تشرين الثاني، ولتعلقه الشديد بسيرته البطولية.

تقول أم الشهداء: "كان محمود، طفلًا مرضيا منذ صغره وشبابه، كانوا يقولون عنه الطفل العبقري، وقد عرف بارتياده للمساجد، عرف بتقواه وهدوئه وحنانه، رزين وهادئ، ولا يسكت عن حقه بأي حال. كان يحرص على رضى والديه، الله يرضى عليه، كان صاحبًا وأخًا وابنًا، يلبيني مهما كان منشغلًا، كان يرافق أباه في العمل، ويسانده في كل الأعمال بطاعة وانتباه ونباهة.

عندما استشهد أحمد كنت أشعر أن محمود جبلًا شامخًا، كفّن أخاه، ودفنه، بجرأة وصلابة، ومطمئنًا. بينما كان محمد يبكي كثيرًا على أخيه، كان يبكي يوميًا على قبره وهو يعلم أنه سيلتحق به

قدمت اثنين من الشهداء، وهنود أسيرا وبطلا، لا أندم على أي شيء، أبطال وأفتخر بهم، زينة الشباب هم، وعندي يقين بخروج محمود، أعلم أنه سيخرج من الأسر بصفقة أو غير ذلك، هو الذي تبقى لي!

في الثامن من يناير، الساعة 6 ونصف مساء، سمعنا صوت إطلاق نار كثيف جدًا، وكأنها حرب، لم يأت في بالي أن يكون هنود مشتبكًا في ذلك الوقت، وهو المستهدف من الصوت الذي سمعناه، بعد ربع ساعة سمعت بنبأ اعتقال ابني محمود هنود، القائد القسامي، وأكبر "إرهابي" في طولكرم، كما قيل في الأخبار العبرية، كان اعتقاله خسارة لنا وللجميع، كان كل شيء بالنسبة لنا في البيت".

وعن خبر اعتقاله تقول الأم: "علمنا من الإعلام بأنه مصاب، وانقطعت الأخبار 3 أشهر، حتى تمكن من الاتصال بنا، للاطمئنان علينا، وقال لي أن إصابته في قدمه، وأنه كان في سجن الرملة، وهناك أجريت له عملية في ركبته وزرع فيها البلاتين. قال لي الشرطي في الاتصال: اسمعي صوتك لابنك وكان شعورًا صعبًا جدًا علي.

قدمت اثنين من الشهداء، وهنود أسيرا وبطلا، لا أندم على أي شيء، أبطال وأفتخر بهم، زينة الشباب هم، وعندي يقين بخروج محمود، أعلم أنه سيخرج من الأسر بصفقة أو غير ذلك، هو الذي تبقى لي!".

الأخوة الثلاثة والشقيقات الثلاث

سلسبيل سليط أخت الشهيدين أحمد ومحمد سليط.jpg
سلسبيل سليط تتحدث عن أخويها الشهيدين محمد وأحمد سليط وشقيقها الأسير محمود سليط

تقول الشقيقة الكبرى التي تعتبر نفسها الأم الثانية لمحمود، وإن طال غيابها افتقدها باتصال: "ما اشتقتيلي يختي". كان أبًا لطفلتها آيلا يشاركها المهام كلها يجلبها من الحضانة ويحضر الأطعمة لها، ويهتم بها كأنها ابنته ويخبرها على الدوام بصوت دافيء: "أنا صرت أب بدري من وأنا صغير حسيت بشعور الأبوة".

تبتسم شقيقتها الصغرى وهي تستذكر مواقف محمود معهن هن الخمس، وظلت تروي مواقفهما سويًا، أن تشيد وحنانه عليهن، فكان إن اشتد الخصام بينهم، يكون هو المبادر في الصلح ولا يتركهن وشأنهن إلا وهو متأكد بيقين أنهن راضيات عنه.

تقول الأخت الوسطى، سلسبيل: "له ثلاثة أخوات، لا يفرق بين واحدة منهن، سند، أب، حنون وملجأ أسرار، نعم الأخ ونعم السند، ونفتقده كثيرا، كان يقوينا يوم استشهد أخي أحمد، وبعدها فقدنا محمد، وهو غير موجود".

"أخوتي يرفعون الرأس، وهم أبطال، كانوا يعملون معا، وأعمالهم مع بعض، وطلعاتهم، كان أصحابًا، يمضون أوقاتهم سويا ودوما. فترة استشهاد إخواني يفصل بينهم شهر ونصف فقط".

تقول الأخت الصغرى، أسيل: "أخوتي يرفعون الرأس، وهم أبطال، كانوا يعملون معا، وأعمالهم مع بعض، وطلعاتهم، كان أصحابًا، يمضون أوقاتهم سويا ودوما. فترة استشهاد إخواني يفصل بينهم شهر ونصف فقط".

تقول الأم: "كان ابني محمد يوميًا منذ استشهاد شقيقه أحمد يذهب لقبره ويبكيه بشدة، قدرته على الاستيعاب لم تسعفه لأن يتقبل غيابه، كان متعلقًا به على الرغم من علمه أنه سوف يستشهد يومًا ما، وها هو يلحق بشقيقه الذي لم تسعه الدنيا بدونه".