قُتل من الأطفال منذ السابع من أكتوبر 2024 ما يقارب 16 ألف طفل من أصل 38 ألفًا من العدد الإجمالي من الشهداء، الضحايا من الأطفال لم يموتوا فقط من آلة الحرب العسكرية بل من تداعيات الحرب التي سببت المجاعة وسوء التغذية وانتشار الأمراض، وأبرزها التهاب الكبد الوبائي أ، إذ أصيب حوالي 700 ألف شخص بفيروسات مختلفة، من بينهم 8 آلاف حالة بالتهاب الكبد الوبائي الفيروسي بسبب الاكتظاظ في مراكز الإيواء وأماكن النزوح وقلة النظافة شرب المياه الملوثة والمياه العادمة التي تحيط بمناطق الخيم ما يسبب انتشار الحشرات فضلا عن حرارة الصيف الملتهبة التي تزيد الوضع سوءًا.
الكبد الوبائي النوع الأول
ففي مناطق النزوح في منطقة المواصي تزدحم الخيام الممتلئة بالسكان والأطفال، تقل المياه النظيفة، ويقل الطعام حد انقطاعه، كما قصف المخيم واحترقت الخيام في مجزرة دموية ارتكبها الاحتلال الصهيوني، ومع كل ذلك يصاب الأطفال بأمراض فيروسية وبكتيرية معدية تنتشر بسبب الازدحام وقلة النظافة خصوصًا في دورات المياه؛ إذ إن السبب الأساسي الذي يعود إلى انتشار التهاب الكبد الفيروسي أ هو عندما يلتقط الشخص الفيروس بعدَ ملامسة جسمٍ ما أو تناول الطعام أو المشروبات الملوَّثة بالفيروس.
يحدث الانتشار عادة بسبب سوء النظافة البدنية، كما تنتشر أيضًا بسبب المياه التي تصبُّ فيها مصارف الصَّرف الصِّحِّي الملوَّثة كما تنتشر أمراض التهاب الكبد (أ) في مراكز الرعاية الصحية من عيادات ومستشفيات.
من مخيم المواصي، الطفل كرم، الذي لا يتعدى الـ 8 أعوام، أصيب بحمى وألم شديد في البطن، شخصه الأطباء بأنه مصاب بالتهاب الكبد الوبائي أ، ومع قلة العلاج والأدوية وعجز الموارد، ساءت حالت كرم واصفّر وجهه، وقالت أمه أنه ينام متأوهًا من ألم في بطنه ويهذي من الحرارة التي تصيبه، وقد أوصاها الأطباء من الإكثار من السوائل وتناول العسل، بينما تتساءل هي: من أيت آتي بالطعام الصحي الذي يسند جسد كرم فضلا عن العسل؟!
الكبد الوبائي النوع الأول: سريع الانتشار والعدوى
ويعرف التهاب الكبد A بأنه إصابة شديدة العدوى تحدث في الكبد، ويسببها فيروس التهاب الكبد A. وهذا الفيروس هو أحد أنواع فيروسات التهاب الكبد المتعددة التي تسبب التهاب الكبد، وقد تؤثر على قدرة الكبد على العمل بشكل طبيعي. وتحدث الإصابة بالتهاب الكبد A على الأرجح نتيجة تناول طعام أو شراب ملوث، أو نتيجة للمخالطة اللصيقة بشخص أو شيء حامل للمرض.
في المخيمات التي تحيط بمدينة رفح تفيض المياه العادمة في كل مكان بين الخيام، تقول علياء: لا يمكن لك دخول الخيمة دون أن تكون ملابسك وأقدامك قد تلوثت بالمياه العادمة، حتى أننا لا نعلم إن كنا قد تنجسنا أم لا، وهل نحن على طهارة أم لا، نتيمم للصلاة، على الرمال، ونحن لا نعلم إن كانت نظيفة من الأساس.
ونحن الأمهات لا نستطيع التحكم بأطفالنا في المخيم فهم يلعبون بالنفايات ويمشون حفاة ويتغوطون في العراء، كيف للفايروسات والأمراض الفيروسية ألا تنتشر كالنار في الهشيم، عندما يصاب طفل في خيمة مجاروة سرعان ما تنتشر العدوى؛ الإسهال والقيء والحرارة، ولا علاج ملائم أو تغذية صحية.
أعراض تتأخر في الظهور
ولا تظهر أعراض فيروس التهاب الكبد A عادةً إلا بعد أن تكون قد أُصبت بالفيروس منذ بضعة أسابيع، غير أن الأعراض لا تظهر على جميع الأشخاص الذين يصابون به، وتشتمل على الإرهاق وضعف غير معتاد، والغثيان والقيء والإسهال المفاجئ، والإحساس بألم أو عدم راحة في البطن، خاصة في الجزء العلوي الأيمن تحت الأضلاع السفلية، والذي يكون أعلى الكبد، براز شاحب أو رمادي اللون، وفقدان الشهية، الحمى الخفيفة، البول الداكن، وألم المفاصل، اصفرار الجلد وبياض العينين (اليرقان)، والحكة الشديدة.
إذ تنتقل العدوى على سبيل المثال إذا تناول طعام تعامل معه شخص مصاب بالفيروس ولم يغسل يديه جيدًا بعد استخدام المرحاض، أو عند شرب الماء الملوث، أو تناول الطعام المغسول بالماء الملوث، والمخالطة اللصيقة لشخص حامل للفيروس، حتى ولو لم تكن هناك أعراض ظاهرة على هذا الشخص.
وفي إحدى مدارس الإيواء تستخدم 70 عائلة بنسائها وأطفالها ورجالها حمامًا واحدًا، يصطف طابور طويل قد يستغرق الواحد ساعات ليأتي دوره، مع عدم توافر المياه للتنظيف بعد التغوط أو التبول، وهو سبب أساسي يؤدي إلى انتشار الأوبئة وخصوصًا الكبد الوبائي أ.
تروي أم لانا، ذات العشرة أعوام، وتقول: "نستخدم حمامًا مصنوعا من الألواح والصفيح، وأرضيته من الرمل، وهم يتغوطون في دلو مثقوب، واحدًا تلو الآخر، دون وجود مياه للنظافة، وتنتشر رائحة كريهة وذباب بشكل كبير. أصيبت ابنتي بإعياء شديد مصحوبًا بأعراض أخرى كالحمى وآلام البطن والتقيؤ، شخّصها الطبيب بالتهاب الكبد دون فحوص مخبرية، وقال أنه لا يمتلك فعل الكثير، وأنهم يتلقون يوميًا حالات مشابهة.
وقد أظهرت تقارير منظمة الصحة العالمية خطورة انتشار الأمراض الفيروسية في القطاع، مثل التهاب الكبد الوبائي، وتعددت أسباب قتل الأطفال من القصف والتدمير والتجويع وانتشار الأوبئة، ومع أن هذا المرض يمكن الشفاء منه إلا أنه يسبب الوفاة في بعض الحالات.